الاقتصادية

سيكولوجية السوق.. عندما تتحطم التوقعات على صخرة الأداء المتميز

تتحرك أسواق الأسهم بوتيرة غير متوقعة في كثير من الأحيان، حيث لا تعتمد تحركات المستثمرين على النتائج المالية فحسب، بل تتأثر بشكل كبير بتوقعاتهم الشخصية وأحكامهم المسبقة، التي تجمع بين الأرقام والحقائق وبين الأمنيات والمخاوف الفردية.

هذا المزج بين التحليل الموضوعي والانفعالات النفسية يؤدي في كثير من الأحيان إلى انعكاسات مفاجئة للأسواق، حتى أمام النتائج القياسية.

آخر الأمثلة على ذلك جاء مع شركة “إنفيديا”، التي أعلنت منتصف نوفمبر عن نتائج مالية فاقت توقعات المحللين، مسجلةً إيرادات 57 مليار دولار في الربع الثالث، بزيادة 62% عن العام السابق، وأرباحاً بلغت 32 مليار دولار.

كما توقعت الشركة إيرادات بقيمة 65 مليار دولار للربع الرابع، متجاوزة توقعات المحللين البالغة 61 مليار دولار.

رد فعل السوق كان في البداية إيجابياً، حيث ارتفع سهم الشركة بنسبة 5% في تداولات ما بعد الإغلاق، وبدأت الأسواق جلسة اليوم التالي على ارتفاع.

لكن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً، إذ انقلب الاتجاه خلال ساعات قليلة، وهبط السهم بنحو 3.2% عن سعر الإغلاق السابق، وخسر حوالي 7.8% من أعلى مستوى وصل إليه في اليوم.

كما تحولت المؤشرات الكبرى مثل “ناسداك” و”ستاندرد آند بورز 500″ من مكاسب إلى خسائر، ما أثار التساؤل حول سبب هذا الانعكاس رغم الأداء الاستثنائي.

يكمن السبب وراء هذا الانعكاس في اعتماد المتداولين على توقعات غير واقعية تتطلب “مفاجآت خارقة”، لا مجرد أرقام قوية، خصوصاً في أسهم قطاع الذكاء الاصطناعي.

هذه المبالغات تجعل السوق يتراجع عندما تتجاوز النتائج المعلنة ما اعتُبر كافياً في أذهان المستثمرين. كما لعبت بيانات الوظائف الأمريكية الصادرة في اليوم نفسه، التي قللت من احتمالات خفض الفائدة، وقيود التصدير الأمريكية على الصين دوراً إضافياً في الضغط على أسهم التكنولوجيا.

لا يمكن تجاهل دور العوامل النفسية وسلوك القطيع، حيث يتجه المستثمرون غالباً إلى البيع الجماعي بعد موجات ارتفاع كبيرة، خوفاً من استمرار الفقاعة.

مثال بارز على ذلك كان سهم “زووم” في 2020، الذي ارتفع بسرعة من 80 إلى 550 دولاراً بسبب توقعات الاستخدام المتزايد أثناء تفشي كورونا، ثم عاد لاحقاً إلى مستويات دون 60 دولاراً.

في مواجهة المبالغات، ظهرت استراتيجيات “الاستثمار المعاكس”، حيث يسعى المستثمرون للتحرك عكس اتجاه السوق. فهم يبيعون عند ذروة التفاؤل ويشترون عند أقصى درجات التشاؤم، مستفيدين من انخفاض الأسعار عن قيمتها الجوهرية.

وتعتمد هذه الاستراتيجية على أدوات مثل مؤشر الخوف والطمع وتحليل التدفقات المالية لتحديد نقاط الانعكاس المحتملة.

رغم فعالية هذه الاستراتيجية، يبقى التوقيت هو التحدي الأكبر، إذ قد تكون التوقعات المعاكسة صحيحة من حيث الاتجاه العام، لكنها تخسر بسبب الدخول المبكر.

Market Psychology: Capitalizing On Emotional Drivers Of Market Trends

في المقابل، يستفيد المستثمرون الذين يستغلون فترات التباطؤ الاقتصادي أو البيع القسري للشركات من تحقيق مكاسب كبيرة، كما حدث مع القطاعات المهملة مثل الطاقة التقليدية والشركات الصناعية.

حتى “وارين بافيت” اعتمد على فلسفة التحوط المعاكس، حيث تراكم النقد لدى “بيركشاير هاثاواي” إلى أكثر من 380 مليار دولار، في انتظار نقطة انعكاس السوق بعد تحذيراته من الفقاعة الحالية، مع التركيز على اتخاذ القرارات الصائبة بالشراء أو البيع أو الاحتفاظ، بعيداً عن محاولة توقيت أدنى أو أعلى نقطة للسوق.

تظهر تجارب “إنفيديا” و”زووم” أن الأسواق لا تكافئ الأداء الحالي فحسب، بل تقارن النتائج بالتوقعات السابقة، وأن المبالغة في التوقعات يمكن أن تقود إلى الانعكاس.

ومن هنا، فإن الفهم الدقيق للجوانب النفسية والتحليلية للمستثمرين يتيح فرصاً حقيقية لأولئك الذين يتبعون استراتيجيات التحرك المعاكس، عوضاً عن الانجراف وراء الحشود والتوقعات المبالغ فيها.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى