الاقتصادية

سلوفاكيا: قلب صناعة السيارات الأوروبي بين التحديات والفرص

تعد سلوفاكيا، الدولة الأوروبية الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها 5.4 مليون نسمة، واحدة من أبرز القوى في صناعة السيارات على مستوى العالم من حيث نصيب الفرد، وهو لقب أهّلها لتصبح “ديترويت أوروبا”.

فقد بدأت هذه المكانة مع إنشاء مصنع براتيسلافا للسيارات (BAZ) في أوائل سبعينيات القرن الماضي، ولا تزال الدولة تسعى للحفاظ على ريادتها في قطاع يشكل أكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي.

تستضيف سلوفاكيا مصانع لشركات عالمية مثل “فولكس فاجن” و”ستيلانتس” و”كيا” – حيث أنتجت موديلات “سيد” و”سبورتاج” – بالإضافة إلى “جاكوار لاند روفر”، كما تمتلك شبكة واسعة من الموردين توظف حوالي 244 ألف شخص، مع تصدير معظم الإنتاج إلى الأسواق الأوروبية الأخرى.

في عام 2024، أنتجت سلوفاكيا نحو 993 ألف سيارة، ما يمنحها موقعًا عالميًا متقدمًا من حيث نصيب الفرد: 182 مركبة لكل ألف نسمة.

ورغم تراجع الإنتاج السنوي في بعض الشركات الأربع الرئيسية، يُعزى ذلك إلى الاستعداد لإطلاق طرازات جديدة، وهو مؤشر إيجابي يعكس احتمالية استئناف النمو قريبًا.

و على الصعيد الداخلي، فرضت الحكومة بقيادة رئيس الوزراء “روبرت فيكو” ضرائب إضافية على الشركات والبنوك لتغطية عجز الموازنة وتمويل البرامج الاجتماعية، ما أدى إلى زيادة الأعباء على الصناعة. خارجيًا، تواجه سلوفاكيا منافسة من الشركات الصينية، بالإضافة إلى التعريفات الجمركية الأمريكية التي تؤثر على صادراتها، حيث تمثل المركبات نحو 80% من صادراتها إلى الولايات المتحدة.

تشير “زوزانا بيلاكوفا” من مركز الأبحاث Globsec إلى أن التعريفات الأمريكية تبقى التحدي الأكبر قصير الأمد، على الرغم من خفضها إلى 15% بفضل التحالف التجاري بين الاتحاد الأوروبي وأمريكا، فهي ما تزال تشكل عائقًا أمام الصناعات المحلية.

علاقات رئيس الوزراء سلوفاكيا “فيكو” بالرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بعد غزو أوكرانيا أثارت شكوكا بين الدول الأوروبية، ما جعل سلوفاكيا شريكًا أقل موثوقية. ويأتي ذلك في وقت يعتمد حوالي 90% من الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد على شركاء من الاتحاد الأوروبي.

ويؤكد “ماتي هورناك”، المحلل لدى بنك Slovenská Sporiteľňa، أن موقف الحكومة المرن تجاه روسيا وزيادة الشكوك حول الاتحاد الأوروبي يعزز حالة عدم اليقين، ويزيد المخاطر الاستراتيجية للشركات.

في مايو الماضي، حذر “ألكسندر ماتوسيك”، رئيس رابطة صناعة السيارات، من أن سياسات الحكومة الضريبية والتحولات الجيوسياسية قد تلحق الضرر بقطاع رئيسي، مؤكدًا أن ارتفاع التكاليف وصعوبة التنبؤ بنتائج الاستثمار يجعل المستثمرين الأجانب يترددون عن ضخ رؤوس الأموال.

تشير استطلاعات غرف التجارة الأجنبية إلى أن 36% من الشركات الأوروبية التي لديها أصول في سلوفاكيا قد لا تعيد الاستثمار هناك، حيث اختارت “فولكس فاجن” البرتغال لإنتاج طرازها الكهربائي الجديد “آي دي.1″، بينما قررت “ستيلانتيس” توجيه إنتاج موديل كهربائي جديد إلى إسبانيا.

مع ذلك، تخطط “فولفو” لإنشاء مصنع للسيارات الكهربائية في سلوفاكيا العام المقبل، كما تعمل الشركة الصينية “جوشن هاي تك” وشريكتها المحلية “إينوبات” على إطلاق مصنع لبطاريات السيارات الكهربائية، مما يعزز جاذبية البلاد أمام مستثمري المركبات الكهربائية.

رغم التحديات الداخلية والخارجية، ما زالت سلوفاكيا قادرة على المنافسة في صناعة السيارات العالمية، لكن السؤال يبقى: هل ستنجح في تجاوز أزمتها الراهنة، والحفاظ على مكانتها، واستمرار إنتاج الموديلات الشهيرة التي أكسبتها لقب “ديترويت أوروبا”؟

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى