خريف “الغاز المغربي”.. هل تبخرت وعود الاكتفاء الذاتي تحت وطأة انسحاب الشركات الكبرى؟

دخل المغرب عام 2025 محملًا بطموحات هائلة لكسر قيد التبعية الطاقية للخارج، معولًا على رمال الصحراء المغربية وأعماق المحيط الأطلسي لاستخراج “الذهب الأزرق”.
لكن مع أفول شمس هذا العام، يبدو أن الواقع الميداني اصطدم بجدار من التعقيدات التقنية والانسحابات المفاجئة، لترسم حصيلة السنة مشهدًا من “الضبابية” يسيطر على مستقبل الغاز في المملكة.
لم يكن أشد المتفائلين يتوقع أن ينتهي العام والشركات الدولية تعيد ترتيب أوراقها بالخروج من السوق المغربية. ففي ضربة قوية لقطاع التنقيب البحري،
شهد عام 2025 انسحاب شركة “إنرجيان” اليونانية، تاركةً شركة “شاريوت” البريطانية وحيدة في مواجهة تحديات حقلي “ليكسوس” و”ريسانا”.
هذا التخارج لم يكن اعتباطيًا، بل جاء مدفوعًا بنتائج بئر “أنشوا-3” المخيبة للآمال؛ حيث كشفت عمليات الحفر عن كميات غاز محدودة وتسربات مائية في الخزانات، مما أجهض الرهان على رفع الاحتياطيات بشكل دراماتيكي.
ورغم محاولات “شاريوت” طمأنة الأسواق بأن الغاز “موجود”، إلا أن رفع حصتها إلى 75% يضعها أمام عبء تمويلي وتقني ثقيل في ظل حذر المستثمرين.
على اليابسة، لم يكن المشهد أكثر وردية. فمشروع “تندرارة”، الذي يُنظر إليه كعمود فقري للإنتاج المحلي، يسير بخطى “السلحفاة”.
فرغم الخطط الطموحة لإنتاج الغاز المسال الصغير وبناء خط أنابيب بطول 120 كيلومترًا، إلا أن عام 2025 انتهى دون إنجاز ملموس على مستوى الربط بمحطات الكهرباء.
دخول شركة “مانا إنرجي” على خط التحديثات الهندسية، وجمود شركة “ساوند إنرجي” التي لم تحفر بئرًا واحدة منذ خمس سنوات، جعل المشروع رهينة “موافقات حكومية” معلقة وتحديات لوجستية لا تنتهي، مما أخر حلم تدفق الغاز المغربي في الأنابيب الوطنية.
وفي شرق البلاد، أغلقت شركة “بريداتور أويل آند غاز” ملف امتياز جرسيف نهائيًا. الانسحاب جاء بعد فشل بئر “MOU-5” في إثبات أي جدوى تجارية، ما وجه رسالة قاسية للمستثمرين بأن البيانات الجيولوجية الأولية قد تكون “خادعة” ما لم تقترن باستثمارات ضخمة ونفس طويل في التنقيب.
بعيدًا عن لغة الوعود، تتحدث الأرقام بمرارة؛ فالإنتاج المحلي لم يتجاوز سقف 100 مليون متر مكعب سنويًا، وهو رقم “هزيل” أمام وحش الاستهلاك المتنامي.
مؤشر الخطر: ارتفعت واردات الغاز المغربية في الشهور التسعة الأولى من 2025 بنسبة 6.3%، لتصل إلى 7.643 تيراواط/ساعة.
هذا العجز جعل المغرب يظل رهينة “الغاز المستورد” القادم من إسبانيا عبر الأنبوب المغاربي-الأوروبي، بمزيج هجين من الغاز المسال الروسي والأمريكي، مما يضع الأمن الطاقي للمملكة تحت رحمة تقلبات الأسعار الدولية واللوجستيات الخارجية.
انقضى عام 2025 ليترك قطاع الغاز في المغرب في “مرحلة برزخية”.
فبينما تظل الإمكانات الجيولوجية قائمة نظريًا، أثبت الواقع أن الطريق نحو “الاستقلال الطاقي” يحتاج إلى ما هو أكثر من مجرد تراخيص تنقيب؛ إنه يحتاج إلى استقرار استثماري، ونتائج حفر ملموسة، وسرعة في التنفيذ تتجاوز البيروقراطية والتعقيدات التقنية.




