ثورة التطبيقات النقل.. لماذا يخشى أصحاب السيارات الأجرة التحول الرقمي؟

لم يعد المشهد في شوارع الحواضر الكبرى بالمملكة مجرد ازدحام مروري عادي، بل تحول إلى ساحة “حرب باردة” تدور رحاها بين إرث “الكريمة” الممتد لعقود، وبين تطبيقات برمجية عابرة للحدود.
ومع انطلاق صافرة “كان المغرب 2025″، انتقل هذا الصراع من ردهات المحاكم والوقفات الاحتجاجية ليتصدر واجهة النقاش العمومي، واضعاً الحكومة في اختبار حقيقي لمواكبة التحول الرقمي أمام أنظار القارة السمراء والعالم.
في خطوة وصفها مراقبون بأنها قد تهز أركان قطاع النقل بالمغرب، كسر وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت حاجز الصمت الرسمي، مطلقًا تصريحات مفاجئة حول التحديات والإصلاحات المرتقبة في القطاع، والتي من شأنها إعادة ترتيب المشهد التنظيمي وتأثيراتها المحتملة على جميع الفاعلين فيه.
الوزير لم يكتفِ بالدفاع عن التطور التكنولوجي، بل اعتبر أن “المستقبل للتطبيقات”، في إشارة صريحة إلى أن النموذج التقليدي لم يعد قادراً وحده على تلبية طموحات المغرب كوجهة سياحية عالمية.
هذا التصريح، الذي نزل كالثلج على مستخدمي التطبيقات وكالصاعقة على “أصحاب الطاكسيات”، فتح الباب على مصراعيه لأسئلة التقنين: كيف ومتى؟
بينما تتزين الملاعب لاستقبال ضيوف “الكان”، اختار آلاف المشجعين الهروب من فوضى “العدادات” ومشادات “بلاصتي وبلاصتك” نحو خدمات النقل الذكي. ويرى مراقبون أن الإقبال الكثيف يعود لثلاث نقاط قوة:
الأمان المالي: التعرفة محددة مسبقاً، مما يقطع الطريق على أي محاولات لاستغلال السياح.
الفعالية الزمنية: نظام “الجي بي إس” ينهي أزمة العثور على وسيلة نقل في وقت الذروة.
- المعايير الدولية: جودة السيارات وحداثتها تمنح الزائر انطباعاً بالعصرنة التي ينشدها المغرب.
في المقابل، يرفض المهنيون أن يكونوا “كبش فداء” لهذا التطور. النقابات، وعلى لسان قياداتها مثل عبد الإله حفيظي، تؤكد أن المشكلة ليست في “اللوحات الإلكترونية” بل في “الفراغ التشغيلي”. المهنيون يطالبون بـ:
هيكلة القطاع التقليدي أولاً: مراجعة نظام المأذونيات وتوفير تغطية اجتماعية حقيقية للسائقين.
تكافؤ الفرص: كيف يمكن لسيارة خاصة أن تنافس سيارة أجرة تخضع لضرائب وتأمين مهني ومصاريف صيانة قانونية؟
العدالة القانونية: أي تقنين يجب أن يشمل المهنيين أنفسهم ليكونوا جزءاً من المنظومة الرقمية لا ضحية لها.
إن الصراع الحالي ليس تقنياً فحسب، بل هو صراع حول “هوية النقل” في المغرب. الدولة تجد نفسها في موقف لا تحسد عليه؛ فهي مطالبة بالحفاظ على السلم الاجتماعي لآلاف الأسر المرتبطة بقطاع سيارات الأجرة، وفي الوقت ذاته، لا يمكنها إغلاق الباب أمام العولمة الرقمية التي يفرضها تنظيم تظاهرات كبرى.
يبدو أن الحل القادم لن يرضي الجميع بالكامل، لكنه حتماً سيتجه نحو “مغربة” تجارب دولية، تدمج سيارات الأجرة في التطبيقات الذكية مع وضع شروط صارمة لدخول السيارات الخاصة، لضمان ألا تتحول شوارع المملكة إلى غابة من المنافسة غير الشريفة.




