اقتصاد المغربالأخبار

تقرير: المنظومة الصحية المغربية “رهينة اختلالات هيكلية عميقة”

كشفت وثيقة صادرة عن مؤسسة وسيط المملكة، بالتعاون مع هيئات وطنية كبرى، النقاب عن تشخيص “معمّق” و”مقلق” لحالة حوكمة القطاع الصحي في المغرب، مؤكدة أن المنظومة ما تزال “رهينة اختلالات هيكلية عميقة” تعيق استجابتها للتحديات الديمغرافية المتزايدة وتنامي الطلب على الخدمات الطبية الأساسية.

التقرير، الذي جاء تحت عنوان “حكامة القطاع الصحي بالمغرب.. تشخيصات مؤسساتية وتوصيات للإصلاح”، ونُشر ضمن وثائق “منتديات الحكامة المرفقية”، حذر من أن النموذج المركزي التقليدي الذي يحكم القطاع لم يعد قادراً على استيعاب التوسع السكاني وتنويع الاحتياجات، في ظل فشل واضح للتقسيم الجهوي في تحقيق التوزيع العادل للموارد البشرية والتجهيزات الطبية.

أشارت الوثيقة إلى أن “ضعف التنسيق بين المستويات الترابية” يمثل أحد الأسباب الرئيسية لـ”هدر الموارد” في القطاع، حيث يؤدي غياب الانسجام الإداري إلى تكرار الإجراءات وتداخل المسؤوليات، مما يحجب أي مساءلة واضحة وشفافة.

الأمر لا يتوقف عند الحوكمة الإدارية، فـ”تمويل القطاع الصحي يظل الحلقة الأضعف”، سواء بسبب محدودية الميزانية العمومية المخصصة للصحة أو غياب آليات تمويل مرنة تربط بوضوح بين الموارد المحققة وجودة الخدمات المقدمة.

وفي هذا الصدد، دعت خلاصات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى “إعادة هيكلة جذرية لمنظومة التمويل”، مقترحة نموذجاً مختلطاً يجمع بين التمويل العمومي، والتدبير التعاقدي، والمساهمات التضامنية، مع نظام محكم للتتبع والمساءلة.

ومن خلال تحليل الشكايات والتظلمات التي تلقتها، كشفت مؤسسة الوسيط أن “التعقيد الإداري والمالي” يشكّل حاجزاً كبيراً يحول دون وصول المواطنين إلى التعويضات والتغطية الصحية بيسر، مما يؤكد الحاجة الملحة إلى “تبسيط المساطر والتحول إلى التتبع الإلكتروني” كخطوة إصلاحية استعجالية.

كما لفت التقرير الانتباه إلى “ضعف حاد في حكامة الموارد البشرية”. فالأزمة لا تتعلق بالعجز العددي فقط، بل تشمل أيضاً غياب التحفيز ووجود اختلالات في توزيع الكفاءات بين الجهات والمركز، ما يعمق بشكل خطير الفوارق الترابية في الولوج إلى العلاج.

يؤكد التقرير أن نظام المعلومات الصحية الحالي لا يزال بعيداً عن مواكبة حاجيات التخطيط واتخاذ القرار، بسبب غياب المعطيات الدقيقة والمؤشرات الشفافة.

وفي خلاصة جامعة، ترى المؤسسات المشاركة في التشخيص – ومن ضمنها وسيط المملكة، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجتمع المدني – أن ضمان الحق في الصحة يتطلب ما هو أعمق من البنية التحتية والميزانية؛ إذ يستدعي “ثقافة مرفقية جديدة” تعيد بناء الثقة بين المواطن والمؤسسة الصحية، تقوم على مبادئ الكرامة والإنصاف والمسؤولية المشتركة.

ويخلص التقرير إلى أن إصلاح الصحة هو “تحول في فلسفة الحكامة نفسها”، حيث تتحول الشكاوى إلى معرفة معيارية، ويتم الربط بين التمويل والجودة، وتتكون رؤية جديدة للدولة كـ”فاعل يتعلم من مواطنيه”، ويعيد بناء الثقة عبر “أثر ملموس وتحسين فعلي للخدمات”.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى