اقتصاد المغربالأخبار

بين النص والتطبيق.. لماذا فشل المغرب في كسر بيروقراطية الإدارة العمومية؟

رغم مرور أزيد من أربع سنوات على دخول القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية حيز التنفيذ، لا تزال الممارسة اليومية داخل الإدارات العمومية بعيدة عن روح ومقتضيات هذا النص القانوني.

هذا ما خلص إليه تقرير حديث صادر عن المعهد المغربي لتحليل السياسات، والذي رسم صورة قاتمة عن بطء وتعثّر ورش التبسيط الإداري في المغرب، مُعتبراً أن الهوة بين النص والتطبيق لا تزال واسعة، مما يهدد بفقدان ثقة المواطنين ويُقوّض أهداف الإصلاح.

التقرير، الذي حمل عنوان “متاهة المرتفق في دواليب الإدارة العمومية”، سلط الضوء على أن العديد من الإدارات العمومية لا تزال تعتمد “المنطق التقليدي” في معالجة الطلبات والخدمات، متجاهلة التحول المفترض نحو الرقمنة والشفافية والفعالية.

وتجلّت هذه الفجوة، حسب التقرير، في استمرار طلب وثائق سبق الإعلان عن حذفها (مثل تصحيح الإمضاء وشهادات غير منصوص عليها قانونًا)، إلى جانب ضعف الالتزام بمبدأ تبادل الوثائق بين الإدارات، واعتماد تفسيرات متشددة لبعض مواد القانون.

حدد التقرير عدة معيقات هيكلية تحول دون تحقيق التبسيط الإداري، أبرزها:

  • الهيمنة غير المبررة للتعليمات الإدارية: حيث يتم في كثير من الأحيان اعتماد توجيهات داخلية أو تعليمات شفهية لرؤساء المصالح على حساب المقتضيات القانونية، ما يُعرقل التطبيق الفعلي للقانون 55.19.

  • سوء فهم وتطبيق القانون: خصوصًا في ما يتعلق بالاستثناءات التي تمنح الإدارة سلطة تقديرية، حيث يتم التوسع في استعمالها خارج إطارها القانوني.

  • ضعف تفعيل اللاتمركز الإداري: إذ لا تزال معظم الصلاحيات متمركزة في العاصمة، ما يُبطئ معالجة الطلبات، خاصة تلك ذات البُعد الاستثماري، والتي تتطلب سرعة في اتخاذ القرار على المستوى الترابي.

  • تفاوت الأداء بين الإدارات: فقد كشف التقرير أن الإدارات المرتبطة بالقطاع الأمني أبدت التزامًا أكبر بمقتضيات التبسيط، مقارنة بعدد من الإدارات المدنية التي لا تزال متمسكة بإجراءات تقليدية، وتُبدي مقاومة للرقمنة والانفتاح.

أشار التقرير إلى أن التحول الرقمي لم يُحقق بعد النقلة المرجوة نحو إدارة ذكية ومندمجة. بل إن بعض الإدارات تعتبر المعطيات الرقمية مثل الوصلات الإلكترونية أو الحجوزات عبر الإنترنت غير كافية، مما يضطر المرتفقين إلى إعادة نفس المسطرة يدويًا، ويُضاعف زمن الانتظار ويقوض الثقة.

من بين النقاط المثيرة في التقرير، التنبيه إلى غياب منظومة فعالة للزجر والتحفيز داخل الإدارة. فالموظفون الذين يُخالفون المقتضيات القانونية لا يخضعون لأي مساءلة تأديبية، في حين أن الإدارة لم توفر حوافز حقيقية تشجع على الالتزام الطوعي بروح القانون.

كما أشار الباحث عبد الرفيع زعنون، مُعدّ التقرير، إلى أن استمرار هذه الوضعية يُغذي مقاومة التغيير داخل الإدارات، ويُضعف فرص إنجاح الورش الإصلاحي، خاصة في ظل غياب الحماية القانونية الكافية للمعاملات الرقمية، وعدم توفر تعريف واضح وملزم للقرار الإداري في صيغته الإلكترونية.

في ختام التقرير، شدد المعهد على أن تجاوز هذه العقبات يتطلب مراجعة شاملة للإطار القانوني والتقني والمؤسساتي، وتعزيز استقلالية اللجنة الوطنية لتبسيط المساطر، بالإضافة إلى إشراك فعال لمكونات المجتمع المدني والقطاع الخاص، وتطوير آليات دقيقة للتقييم والمساءلة.

فبدون هذه الإصلاحات الجذرية، سيظل طموح تبسيط المساطر مجرّد شعار، عاجز عن إحداث التغيير العميق الذي يتطلع إليه المرتفقون، والضروري لنجاح السياسات العمومية في المغرب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى