الاقتصادية

النحاس يقفز إلى مستويات قياسية وسط مخاوف من الرسوم الأمريكية

شهدت أسواق المعادن العالمية حالة من الترقب الحاد بعد أن واصل النحاس صعوده القوي، مُسجلاً مستوى قياسياً جديداً يوم الأربعاء، قبل أن يتراجع قليلاً خلال تداولات اليوم الخميس.

وجاء هذا الارتفاع الاستثنائي مدفوعاً بقفزة كبيرة في طلبات سحب المعدن من مخازن بورصة لندن للمعادن، إلى جانب تصاعد المخاوف من تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية المحتملة على الإمدادات العالمية.

ارتفعت العقود الآجلة للنحاس في بورصة لندن بنسبة 3.4% لتتجاوز حاجز 11,500 دولار للطن، وهو أعلى مستوى على الإطلاق.

هذا الارتفاع جاء بعد بيانات كشفت عن طفرة في طلبات السحب من مستودعات البورصة في آسيا، ما دفع أسعار أسهم شركات التعدين حول العالم للصعود بقوة، وعلى رأسها شركة أنتوفيغاستا التشيلية التي قفز سهمها بأكثر من 5%.

ويعيش سوق النحاس حالة تأهب واسعة منذ أسابيع، حيث يحذّر محللون وتجار من أن المخزونات العالمية تتجه نحو مستويات حرجة، بالتزامن مع تكثيف الشحنات المتجهة إلى الولايات المتحدة تحسباً لفرض رسوم جمركية جديدة.

منذ بداية العام، ارتفع السعر القياسي للنحاس في بورصة لندن بأكثر من 30%، مدفوعاً بتراجع الإنتاج في عدة مناجم كبرى حول العالم.

ومع ذلك، كانت العقود الأمريكية الأكثر ارتفاعاً، في ظل مراهنات متزايدة على أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ستفرض رسوماً جمركية على أشكال أولية من النحاس بحلول نهاية 2026.

وتقول هيلين آموس، كبيرة محللي السلع في “بي إم أو كابيتال ماركتس”، إن “سوق النحاس تعيش وضعاً أساسياً قوياً للغاية، فشركات التعدين تواجه صعوبات حقيقية في الحفاظ على مستويات الإنتاج”.

وتضيف أن الفارق الكبير بين الأسعار في الولايات المتحدة وباقي الأسواق العالمية يعد حالياً العامل الأكثر تأثيراً في دفع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة.

وكان ترامب قد أعلن لأول مرة عن نوايا فرض رسوم جمركية على النحاس في فبراير الماضي، ما دفع واردات الولايات المتحدة من المعدن إلى مستويات قياسية. وفي يوليو، عاد وأربك الأسواق بإعلان أن الرسوم ستقتصر على المنتجات المصنعة فقط، مع تأجيل قرار فرض الرسوم على المواد الخام حتى 2027.

هذا الغموض السياسي فتح الباب أمام تغيرات حادة في حركة التجارة، حيث كثّف المتعاملون شحنات النحاس نحو الموانئ الأمريكية، بينما رفع المنتجون علاوات الأسعار في أوروبا وآسيا إلى مستويات غير مسبوقة لتعويض الأرباح المحتملة عند البيع في السوق الأمريكية.

في الأسبوع الماضي، حذّرت شركة ميركوريا إنرجي من احتمال حدوث أزمة حادة في الإمدادات بحلول الربع الأول من العام المقبل، إذا استمرت الديناميكيات الحالية. ويتفق معها دان غالي، كبير محللي السلع في “تي دي سيكيوريتيز”، الذي شدّد على أن “الرسوم الجمركية المحتملة هي العامل الأكثر يقيناً في السوق حالياً، وتشكل محركاً كبيراً لارتفاع الأسعار”.

ويؤكد غالي أن الوضع الحالي سيدفع المتعاملين إلى سحب المزيد من النحاس من المخزونات العالمية، ما قد يؤدي إلى تجفيفها وتحويل الإمدادات بعيداً عن الأسواق التقليدية.

معظم النحاس المخزّن في مستودعات بورصة لندن مصدره الصين—التي تخضع صادراتها بالفعل لرسوم أمريكية—وروسيا التي تحظر الولايات المتحدة استيراد النحاس منها.

لكن هذه الإمدادات تُستخدم في آسيا، ما يسمح بتوجيه النحاس القادم من دول مثل اليابان وتشيلي نحو السوق الأمريكية، في عملية إعادة توزيع معقدة تزيد الضغوط على الإمدادات العالمية.

وتفاقمت الأزمة هذا العام مع توقف الإنتاج في عدة مواقع من تشيلي إلى إندونيسيا، وتعرض مجمع “كاموا-كاكولا” في الكونغو لتراجع في الإنتاج بعد فيضانات شديدة، إضافة إلى إعلان شركة “غلينكور” عن خفض مستهدفاتها الإنتاجية رغم خطط لمضاعفتها خلال السنوات العشر المقبلة.

ورغم أن الطلب العالمي يعيش حالة تباطؤ، خصوصاً في الصين، تتوقع “غولدمان ساكس” فائضاً يناهز 500 ألف طن هذا العام. لكن المفارقة أن هذا الفائض يتركز بالكامل تقريباً في الولايات المتحدة، بينما تتراجع الإمدادات في باقي الأسواق.

وعلى صعيد التداولات الحالية، انخفضت العقود الآجلة للنحاس تسليم مارس بنسبة 0.5% إلى 5.36 دولار للرطل، بحلول الساعة 14:17 بتوقيت غرينتش، في تراجع محدود بعد مكاسب قياسية.

ومع استمرار التوترات التجارية وتراجع الإنتاج العالمي، يبدو أن سوق النحاس ما يزال مقبلاً على مرحلة من التقلبات الشديدة، وسط توقعات بمزيد من الارتفاعات خلال الأشهر المقبلة.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى