المغرب يحقق اكتفاء ذاتي في إنتاج الزبدة وسط تحديات مناخية مستمرة

لم يكن قطاع الحليب ومشتقاته في منأى عن التحديات المناخية والاقتصادية، فسنوات الجفاف المتتالية وارتفاع كلفة الإنتاج كادت أن تعصف بجهود المربين.
ومع ذلك، تشير الأرقام والإجراءات الحكومية إلى أن القطاع تمكن من تحقيق طفرة نوعية، أبرزها الانتقال من بلد مستورد للزبدة إلى مُصدّر صافٍ يحقق إيرادات من العملة الصعبة.
شهد قطاع إنتاج الحليب بالمغرب تحديات غير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة، كان لها تأثير مباشر على سلع أساسية مثل الزبدة.
أدى توالي سنوات الجفاف إلى تراجع حاد في أعداد القطيع الوطني، بينما ارتفعت أسعار الأعلاف بأكثر من 80%، ما دفع بكلفة الإنتاج إلى مستويات قياسية. هذا الواقع الصعب وضع المربين في وضع حرج، وهدد استدامة الإنتاج.
و على الرغم من هذه الظروف، تدخلت الحكومة لضمان استمرارية القطاع. فبفضل حزمة من الدعم الموجه للمربين، تم تخصيص ملايين القناطير من الأعلاف المركبة بـأسعار مدعمة، إلى جانب رفع أسعار اقتناء الحليب من الشركات.
هذه الإجراءات شكلت حافزاً قوياً للفلاحين للاستمرار وتجنب التخلي عن القطيع.
أثمر هذا الدعم عن نتائج واضحة، حيث من المتوقع أن يصل الإنتاج الوطني من الحليب في سنة 2025 إلى نحو 2.2 مليار لتر.
والأهم، هو التحسن الملحوظ في مردودية البقرة الواحدة، التي تجاوزت أربعة آلاف لتر سنوياً، بعد أن كانت لا تتعدى ثلاثة آلاف لتر في عام 2020.
القصة الأكثر إثارة في هذا التحول تتعلق بمادة الزبدة. فقبل عام 2020، كان المغرب يعتمد بشكل كبير على الاستيراد لتغطية حاجياته التي بلغت نحو 20 ألف طن سنوياً. لكن الاستثمارات الصناعية وتطوير عمليات الإنتاج غيرت المعادلة بالكامل.
ابتداء من عام 2024، تمكنت البلاد من تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل من الزبدة الاستهلاكية العادية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تحوّل المغرب إلى مُصدّر صافٍ نحو أسواق غرب إفريقيا.
هذا الإنجاز انعكس إيجاباً على الميزان التجاري، محققاً أرباحاً سنوية تفوق 500 مليون درهم من العملة الصعبة، في إطار تطبيق ناجح لسياسة إحلال الواردات.
على المستوى الدولي، عرفت أسعار الزبدة ارتفاعاً بنحو 40% بين عامي 2020 و2024، نتيجة عوامل عالمية كارتفاع أسعار الطاقة وتراجع الإنتاج الأوروبي.
ورغم أن التوقعات تشير إلى إمكانية تراجع الأسعار عالمياً بين 2025 و2026، فإن تأثير ذلك على السوق المغربية سيكون محدوداً بفضل الاكتفاء الذاتي ووقف الاعتماد على الاستيراد.
ومع ذلك، تظل الأسعار المحلية مرتبطة بشكل وثيق بـتكاليف الإنتاج الداخلي، خاصة الأعلاف التي تشكل ما بين 60% و70% من الكلفة الإجمالية، مما يقلل من احتمالية انخفاض كبير في الأسعار على المدى القريب.
يبقى العامل المناخي، وتحديداً حجم التساقطات المطرية، هو المحدد الأساسي لمستقبل استقرار الأسعار؛ إذ أن وفرة الأمطار هي الكفيلة بتقليص كلفة الإنتاج.
ويؤكد الخبراء على ضرورة استمرار التنسيق المشترك بين الدولة والقطاع الخاص للحفاظ على التوازن بين مصلحة المربين والقدرة الشرائية للمستهلكين.