الاقتصادية

العلامة التجارية في زمن التضليل: كيف تحمي مؤسستك وسط فيضان المعلومات ؟

اليوم، أصبح الإنسان محاصرًا في بحر من المعلومات. الأخبار تتدفق بلا توقف، والمنصات الرقمية تتسابق على جذب الانتباه، حتى صارت الحقيقة تختفي بين محتوى ضخم، متنوع، وغالبًا مضلل. لم يعد السؤال “هل لدينا معلومات كافية؟”، بل أصبح “كيف نفرز الحقيقة وسط هذا الفيض؟”.

مصطلحات مثل “التخمة المعلوماتية” و”تسمم المعلومات” تحولت من مجرد مفاهيم أكاديمية إلى واقع يومي. ومع انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي، ظهر تهديد جديد: “نفايات الذكاء الاصطناعي” – محتوى ضحل أو مضلل تنتجه الخوارزميات بسرعة كبيرة، ما يزيد من ارتباك الأفراد والمؤسسات على حد سواء.

العالم ينتج يوميًا نحو 400 مليون تيرابايت من البيانات، رقم يفوق قدرة أي عقل بشري على الاستيعاب، قبل حتى النظر في عنصر التضليل المتعمد الذي أصبح جزءًا من المشهد الرقمي.

تقرير “المخاطر العالمية 2025” الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي صنف الأخبار المضللة والمعلومات الزائفة كأخطر تهديد خلال العامين المقبلين. تشير التقديرات إلى أن تآكل الحقيقة يكلف الاقتصاد العالمي نحو 78 مليار دولار سنويًا.

Conference on disinformation via social media

في المملكة المتحدة، كشف استطلاع حديث أن أكثر من 90% من المواطنين صادفوا محتوى مضللاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيما يعتقد 70% أن قادة الأعمال والحكومات ووسائل الإعلام يتعمدون التضليل. هذه الأرقام تسلط الضوء على مفارقة العصر: كمية هائلة من المعلومات، وثقة متراجعة في مصادرها.

وسط هذا الفيض، تبرز العلامة التجارية كخط دفاع أول وأساسي. فالسمعة تتشكل عبر تجارب الآخرين، بينما العلامة التجارية هي ما تختاره المؤسسة أن ترويه عن نفسها: قيمها، رسالتها، وتأثيرها المرجو.

في عالم سريع التضليل، تصبح العلامة التجارية أداة للثبات الذهني للجمهور، تمنحه مرجعًا موثوقًا وسط الفوضى، وتخفف العبء الناتج عن تدفق المعلومات.

تُظهر بيانات “مؤشر إيدلمان للثقة 2025” أن الشركات هي الأكثر ثقة نسبيًا، بينما تتراجع مصداقية الإعلام التقليدي ووسائل التواصل الاجتماعي. هنا تلعب ثلاث ركائز دورًا حيويًا: الوضوح، الاتساق، والمصداقية.

  • الوضوح: الرسالة الواحدة التي يسهل فهمها ونقلها.

  • الاتساق: تكرار الرسالة بطرق مختلفة لتعزيز التأثير.

  • المصداقية: مطابقة القيم والسلوك مع الرسالة، وإلا تنهار الثقة بسرعة.

تحويل العلامة التجارية إلى قوة حية يبدأ داخليًا. الموظفون هم أول سفراء العلامة، حين تدمج قيم المؤسسة في التدريب والقيادة والحوارات اليومية. عندها يصبح المحتوى الموحد والفعاليات وحملات التسويق امتدادًا طبيعيًا لهذه الرسالة.

العلامة التجارية ليست ثابتة، بل تتطور مع المؤسسة واحتياجات أصحاب المصلحة. بعض الشركات تنشئ لجانًا لمتابعة تطور العلامة وقياس تأثيرها، لضمان التكيف السلس مع التغيرات في السوق والتوقعات الاجتماعية.

في عالم يغمره الضجيج ويهدد فيه التضليل كل زاوية، لم تعد العلامة التجارية رفاهية. إنها البوصلة وسط الفوضى، والمرساة عند تآكل الثقة، والإشارة التي تميز الحقيقة عن الزيف. والسؤال لم يعد: هل تبني علامة قوية؟ بل: هل تستطيع تحمل كلفة عدم القيام بذلك؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى