الطاقة النظيفة في أمريكا على مفترق طرق.. كيف أعادت إدارة ترامب الثانية رسم خريطة القطاع؟

في مطلع عام 2025، كانت أعمال البناء في مشروع “ريفوليوشن ويند” لطاقة الرياح البحرية قبالة سواحل ولاية رود آيلاند تسير بوتيرة متسارعة، في إطار سعي الولايات المتحدة لتعزيز التحول نحو الطاقة النظيفة.
ويبلغ إجمالي قدرة المشروع نحو 704 ميغاواط، بتكلفة تقديرية تصل إلى 1.5 مليار دولار، ومن المتوقع أن يزود أكثر من 350 ألف منزل بالكهرباء النظيفة.
لكن المشهد تغيّر سريعاً بعد أسابيع من عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، مع إصدار سلسلة أوامر تنفيذية لإعادة تقييم تصاريح مشروعات الرياح البحرية وتشديد المراجعات البيئية والتنظيمية، ما أدى إلى تأجيلات ونزاعات قانونية عطّلت بعض مراحل التنفيذ وأجبرت المطورين على إعادة النظر في الجدول الزمني والتمويلي للمشروع.
ولم يكن “ريفوليوشن ويند” الحالة الوحيدة؛ فقد شكلت عودة ترامب نقطة مفصلية أعادت حالة عدم اليقين إلى قطاع الطاقة المتجددة الذي شهد طفرة غير مسبوقة خلال الأعوام السابقة بفضل الدعم الفيدرالي والحوافز الاستثمارية.

مع تولي ترامب الرئاسة في يناير 2025، شهدت الولايات المتحدة ارتداداً واضحاً في نهجها تجاه الطاقة النظيفة. وأصدرت الإدارة الجديدة أوامر تنفيذية وتعديلات تشريعية أعادت توجيه الدعم بعيداً عن المصادر المتجددة، بما في ذلك إلغاء برنامج بقيمة 7 مليارات دولار أطلق في عهد بايدن تحت اسم “طاقة شمسية للجميع”، والذي كان يهدف إلى توسيع استخدام الطاقة الشمسية بين الأسر ذات الدخل المحدود، بما يقارب مليون منزل.
كما قلصت الإدارة الإعفاءات الضريبية للطاقة الشمسية وطاقة الرياح ضمن مشروع “وان بيغ بيوتيفول بيل”، وأضافت قيوداً تنظيمية جديدة مرتبطة بسلاسل توريد خالية من الصين، ما زاد التعقيدات أمام المطورين.
أسفرت هذه التحولات عن انخفاض ملحوظ في الاستثمارات الخاصة في الطاقة النظيفة داخل الولايات المتحدة بنسبة تقارب 36% خلال النصف الأول من 2025، أي نحو 20.5 مليار دولار، مقارنة بنمو عالمي تجاوز 386 مليار دولار.
كما ألغيت أو أُجلت استثمارات بقيمة 24 مليار دولار، ما أدى إلى فقدان حوالي 21 ألف وظيفة.
توزيع الاستثمار في قطاع الطاقة النظيفة بحسب الأسواق الكبرى في عام 2024
الدولة / المنطقة | الاستثمار (مليار دولار) | الملاحظات |
الصين | 818 | ارتفاع بـ20% عن 2023 (نحو ثلثي النمو العالمي) |
الولايات المتحدة | 338 | شبه راكد (انخفاض نسبي مقابل النمو العالمي) |
الاتحاد الأوروبي | 375 | انخفاض عن 2023 رغم الاستقرار النسبي |
المملكة المتحدة | 65.3 | انخفاض عن 2023 |
وشملت التداعيات إلغاء مشاريع بطاريات ومركبات كهربائية في ولايات صناعية رئيسية مثل جورجيا وميشيغان، وتجمد مشروعات رياح بحرية كبرى. وتراجعت أسهم شركات الطاقة النظيفة المدرجة مثل “فيرست سولار” و”نيكست إيرا إنرجي” بنحو 5%، في انعكاس لحالة عدم اليقين التنظيمي.
في مواجهة تراجع الدعم الفيدرالي، حاولت بعض الولايات، مثل كاليفورنيا، تعويض الفجوة عبر توسيع قدراتها في الطاقة النظيفة، حيث وصلت نسبة الكهرباء المولدة من مصادر نظيفة إلى 67% في بعض الأيام، مع نمو ملحوظ في قدرات تخزين البطاريات.

في الوقت نفسه، واصلت الصين تعزيز هيمنتها على سلاسل التوريد العالمية للتقنيات النظيفة، ما يثير المخاوف من فقدان الولايات المتحدة ميزتها التنافسية.
وعلى الرغم من أن سياسات ترامب لا تعني نهاية مسار الطاقة النظيفة، إلا أنها تحد من الزخم في مرحلة حاسمة عالمياً، وتزيد من صعوبة الحفاظ على التنافسية الأمريكية في قطاع يُتوقع أن يكون ركيزة للنمو الاقتصادي خلال العقود المقبلة.




