الحلم الأمريكي على مفترق الطرق..إنذار من دورة الديون الكبرى

بين أحلام الأمريكيين اليومية والواقع المعيش، مسافة تتسع كل يوم أكثر، حتى وإن تجرأ عدد قليل من المسؤولين على التصريح بها: امتلاك منزل أصبح حلمًا بعيد المنال لمعظم الأسر، وخصوصًا لمن تقل أعمارهم عن 65 عامًا.
على الرغم من العناوين الإعلامية التي تتغنى بـ”اقتصاد قوي”، تكشف الأرقام الحقيقة القاسية: ملايين الأمريكيين محرومون من دخول سوق الإسكان، نتيجة مزيج متفجر من التضخم المرتفع، وارتفاع أسعار الفائدة، وتراجع الأجور. ما كان يومًا حلمًا يتحقق أصبح هدفًا شبه مستحيل.
هذه ليست أزمة عابرة، بل مؤشر على مرض أعمق يصفه المستثمر الأسطوري راي داليو، مؤسس شركة “بريدج ووتر” للاستثمارات والتحوط، باسم “دورة الديون الكبرى”.
في كتابه الأخير، “كيف تُفلس الأمم”، يؤكد داليو أن المرحلة التي نعيشها اليوم تمثل ذروة دورة اقتصادية أطاحت بأمم عظيمة سابقًا، محذرًا من أن القادم قد يكون أكثر قسوة.
وفق تحليلاته، بحلول عام 2025، لن تستطيع سوى 25% من الأسر الأمريكية شراء منزل متوسط السعر، وستكون الأجيال الشابة الأكثر تضررًا.
حتى المنازل منخفضة الأسعار تبقى بعيدة عن متناول نصف السكان تقريبًا، في حين يواصل السياسيون ووسائل الإعلام تقديم وعود مؤقتة دون مواجهة جذور الأزمة المالية.
يكشف تحليل داليو عن الآلية الخفية وراء هذا الانهيار: مع تضخم ديون الحكومة إلى مستويات قياسية، تضطر البنوك المركزية لطباعة المزيد من النقود لتغطية العجز، ما يفاقم التضخم ويخلق حلقة مفرغة.
كلما ارتفعت أسعار الفائدة لكبح التضخم، تصبح قروض الإسكان أكثر تكلفة، وتتآكل مدخرات الأسر مع انخفاض قيمة الدولار.
الأمر ليس مجرد أزمة اقتصادية، بل وصفة لاضطرابات اجتماعية وتغييرات سياسية جذرية، مع تأثير مباشر على حياة الأجيال الشابة والطبقة الوسطى المتآكلة.
تشير أبحاث داليو إلى أن الولايات المتحدة في المراحل المتأخرة من دورة الديون الكبرى، وهي مرحلة تتميز بديون لا يمكن تحملها، وتراجع مستوى المعيشة، وانخفاض ملكية المنازل، وارتفاع جنوني للإيجارات، مع شعور متزايد باليأس بين الشباب.
المأساة الكبرى لم تأتِ بعد: عندما تضطر الحكومة إلى الاقتراض لدفع فوائد ديونها، ومع انخفاض الطلب العالمي على السندات الأمريكية، سيصبح تشغيل مطابع النقود بلا توقف الخيار الوحيد، ما يفتح الباب أمام تضخم مفرط وانهيار محتمل للعملة.
هذا الانهيار ليس سرًا؛ يشعر الأمريكيون به في رواتبهم وفواتيرهم، وفي صعوبة شراء منزل، لكن نادرًا ما يُناقش بصراحة في السلطة، ربما بسبب صعوبة اتخاذ قرارات جذرية لمعالجة عقود من سوء الإدارة المالية.
الحلم الأمريكي لم يمت، لكنه على أجهزة الإنعاش. كتاب راي داليو ليس مجرد مراجعة اقتصادية، بل صرخة تحذير: ما لم تتخذ الإدارة الأمريكية إجراءات عاجلة وجريئة لمواجهة دورة الديون الكبرى، سيصبح امتلاك منزل ذكرى من الماضي لمعظم المواطنين.
انتهى وقت الإنكار، والسؤال الحاسم الآن: هل يملك المجتمع الأمريكي الشجاعة لتجاوز الانقسامات الحزبية، ومواجهة الحقيقة، وفرض تغييرات حقيقية قبل أن يتحول الحلم إلى كابوس لا رجعة فيه؟