الاقتصاد المغربي في “عين العاصفة”.. كيف نجا من الانكسار العالمي وما هي فخاخ المرحلة المقبلة؟

في وقت تتهاوى فيه اقتصادات ناشئة تحت وطأة الديون والتضخم الجامح، يبرز التساؤل الجوهري في الصالونات الاقتصادية: كيف استطاع المغرب الحفاظ على توازنه وسط حقل ألغام عالمي؟ بين تداعيات جائحة تركت أثرها، وحرب أوكرانية بعثرت أوراق الطاقة، وجفاف محلي هو الأقسى منذ عقود، يبدو المشهد الاقتصادي للمملكة وكأنه “قصة صمود” مشوبة بحذر شديد.
كشفت المعطيات الميدانية أن المغرب لم يعد رهيناً بالكامل لـ “رحمة السماء” كما كان سابقاً. فرغم الضربة الموجعة التي تلقاها القطاع الفلاحي نتيجة توالي سنوات الجفاف، إلا أن “المحركات الصناعية” كانت تعمل بأقصى طاقتها.
الصناعات التصديرية، وعلى رأسها قطاع السيارات والطيران، شكلت “ممتص صدمات” حقيقي، حيث سجلت أرقاماً قياسية مكنت المغرب من تجنب سيناريوهات الانكماش التي عصفت بدول صاعدة منافسة. هذا التنوع البنيوي هو ما منح الاقتصاد المغربي ميزة تفضيلية في مؤشرات الاستقرار الإقليمي.
بينما كانت دول في أمريكا اللاتينية وإفريقيا تسجل معدلات تضخم ثلاثية الأرقام، نجح المغرب في إبقاء الوحش التضخمي “تحت السيطرة النسبية”.
محللون يؤكدون: “التوليفة التي اعتمدها بنك المغرب عبر سياسة نقدية حذرة، مدعومة بتدخلات صندوق المقاصة، حالت دون انفجار اجتماعي كان ليحدث لو تركت الأسعار لقوانين السوق العالمية وحدها.”
لكن هذا النجاح لم يكن مجانياً؛ فقد تحملت الميزانية العامة فاتورة ثقيلة للحفاظ على القدرة الشرائية، مما وضع صانع القرار المالي أمام معادلة صعبة: كيف ندعم المواطن دون استنزاف خزينة الدولة؟
في عز أزمة تشديد السياسات النقدية العالمية وارتفاع أسعار الفائدة، حافظ المغرب على “سمعته الائتمانية”. دخول المملكة للأسواق الدولية للاقتراض تم بشروط وصفت بأنها “الأفضل في فئتها” مقارنة بدول نامية أخرى واجهت شبح الإفلاس.
هذه الثقة لم تأتِ من فراغ، بل من استقرار سياسي وموقع جيوسياسي جعل من المغرب وجهة آمنة للاستثمارات الأجنبية، خاصة في قطاعات المستقبل مثل “الهيدروجين الأخضر” والطاقات المتجددة. ومع ذلك، تشير المقارنات مع النمور الآسيوية إلى أن المغرب لا يزال بحاجة لنقلة نوعية لتحويل هذه الاستثمارات إلى فرص شغل ملموسة وعادلة مجاليًا.
رغم قوة التصدير، لا يزال “ثقب الواردات” الطاقية والغذائية يستنزف العملة الصعبة. ولولا انتعاش القطاع السياحي الذي سجل أرقاماً “تاريخية” والتدفقات القوية لتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، لكان العجز التجاري قد وصل لمستويات حرجة. إن الاعتماد على “المواد الأولية” المستوردة يظل الكعب الأخيل الذي يهدد استدامة النمو.
يخرج الاقتصاد المغربي من هذه المرحلة بحصيلة “وسطية”؛ فهو اقتصاد أثبت صلابته ضد الانهيار، لكنه لم يكسر بعد حاجز النمو المتواضع.
الرهان القادم، كما يراه خبراء، لا يتعلق بالصمود فحسب، بل بالانتقال إلى “الجيل الثاني من الإصلاحات”. وهذا يتطلب:
رفع إنتاجية المقاولة المحلية.
تعميم الحماية الاجتماعية كرافعة للاستهلاك الداخلي.
تقليص الفوارق بين المدن والأرياف.
المغرب اليوم في منطقة “الأمان النسبي”، لكن في عالم مضطرب، البقاء للأسرع في الإصلاح لا للأكثر صموداً فحسب.




