الاقتصادية

الأسواق المالية تتجاهل إقالة ترامب لرئيس مكتب إحصاءات العمل

أظهرت الأسواق المالية استجابة خافتة وغير متوقعة عقب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإقالة رئيس مكتب إحصاءات العمل (BLS) الأسبوع الماضي، في خطوة كان من الممكن أن تثير قلق المستثمرين وتزعزع ثقتهم في ظروف أخرى.

مع ذلك، لم تشهد الأسواق تقلبات ملحوظة أو ردود فعل حادة، وهو ما أثار تساؤلات حول مدى تأثير النزاعات السياسية على استقرار الأسواق المالية.

جاء قرار الإقالة بعد صدور بيانات سوق عمل أضعف من التوقعات، حيث أعلن ترامب عبر منصات التواصل الاجتماعي عن نيته استبدال مفوض مكتب إحصاءات العمل، ما أثار موجة من الجدل حول إمكانية التأثير على مصداقية البيانات الاقتصادية الحكومية.

ورغم ذلك، بقي رد فعل المستثمرين متحفظًا بشكل ملحوظ؛ فقد ظلت الأسهم قريبة من أعلى مستوياتها التاريخية، فيما لم تشهد عوائد السندات تغيرات جوهرية.

في مذكرة بحثية صادرة عن “كابيتال إيكونوميكس”، وصف المحللون رد فعل السوق بأنه “هز أكتاف” دلالة على اللامبالاة، مع تأكيدهم أن البيانات الاقتصادية الدقيقة والمحايدة تعد ضرورية لصنع سياسات نقدية ومالية سليمة.

وأشار التقرير إلى أن المؤسسات القوية مثل سيادة القانون، والقضاء المستقل، ووسائل الإعلام الحرة، والوكالات الحكومية ذات المصداقية، هي الركائز الأساسية التي تدعم النمو الاقتصادي والازدهار.

ومع ذلك، أشار التقرير إلى أن هذا الهدوء قد يعكس حالة من عدم اليقين حول التداعيات العملية لهذه الإقالة، فلا يزال من غير الواضح ما إذا كانت ستؤدي إلى تغييرات حقيقية في طريقة عمل مكتب إحصاءات العمل أو تأثير ملموس على جودة البيانات التي يصدرها.

وفي حالة السعي لإصدار بيانات أكثر إيجابية، قد تؤدي هذه الخطوة إلى نتائج عكسية من خلال دفع الاحتياطي الفيدرالي إلى تبني سياسات نقدية أكثر تشددًا لمواجهة التضخم.

وأبرز التقرير قلقه من تدهور جودة البيانات الإحصائية، لاسيما في ظل انخفاض معدلات الاستجابة للاستطلاعات الحكومية، وهي مشكلة تفاقمت بعد جائحة كوفيد-19. وتركز هذا التدهور بشكل خاص على بيانات سوق العمل، التي تمثل مرآة دقيقة لصحة الاقتصاد.

كما قارن التقرير بين رد فعل السوق الأمريكي المتحفظ وردة فعل الأسواق البريطانية التي شهدت اضطرابات حادة بعد الميزانية “المصغرة” التي قدمتها رئيسة الوزراء ليز تروس ومستشارها كواسي كوارتنغ عام 2022.

ففي حين أدت الإجراءات البريطانية إلى تراجع قوي في قيمة السندات الحكومية، فإن تدهور جودة البيانات في الولايات المتحدة قد لا يظهر تأثيره على الأسواق بنفس السرعة أو الشدة، بل قد يكون تأثيره تدريجيًا وأكثر تعقيدًا في التعرف عليه.

وحذرت “كابيتال إيكونوميكس” من أن الأسواق المالية قد تغفل عن المخاطر طويلة الأجل التي تنجم عن التدهور المؤسسي التدريجي، حيث لا يُظهر السوق عادة رد فعل فوري على هذه التغيرات، ما يجعل من الصعب على المستثمرين إدراك حجم المشكلة حتى تتفاقم العواقب.

بالرغم من ذلك، لا يتوقع التقرير حدوث انهيار هيكلي وشيك في النظام المؤسسي الأمريكي، موضحًا أن النظام تحت ضغط لكنه لا يزال قائمًا بشكل مستقر.

ولفت التقرير إلى أن الأضرار الأكبر قد تحدث فقط في حال تصاعدت هذه الهجمات لتشمل مؤسسات الدولة بشكل أوسع، بما يتجاوز البيانات الاقتصادية إلى الأطر القانونية والمؤسسية.

في الختام، تؤكد هذه التطورات على الفجوة بين التوترات السياسية وردود فعل الأسواق المالية، حيث تميل الأسواق إلى التركيز على البيانات الاقتصادية والسياسات النقدية المستقرة بدلًا من الانشغال بالاضطرابات السياسية المؤقتة.

طالما استمر تدفق البيانات بشفافية واحتفظت السياسة النقدية بمصداقيتها، من المتوقع أن تستمر الأسواق في التركيز على الأساسيات الاقتصادية بعيدًا عن الضجيج السياسي.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى