الاقتصادية

إستر دوفلو…رائدة الاقتصاد القائم على الأدلة في مكافحة الفقر العالمي

إستر دوفلو، الاقتصادية الفرنسية-الأمريكية البارزة، لم تكتفِ بتحقيق إنجاز تاريخي كأصغر شخص على الإطلاق وثاني امرأة تفوز بجائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 2019، بل أحدثت ثورة حقيقية في مجال اقتصاديات التنمية.

بالاشتراك مع زوجها أبهيجيت بانيرجي ومايكل كريمر، حصلت دوفلو على الجائزة تقديرًا لتطويرهم منهجًا تجريبيًا مبتكرًا يهدف إلى التخفيف من حدة الفقر العالمي.

لقد نقلت دوفلو، التي وُلدت عام 1972، دراسات مكافحة الفقر من النظريات الواسعة إلى تطبيق التحليل التجريبي الدقيق والأساليب القائمة على الأدلة.

وقد شكّل هذا التحول أساسًا لسياسات أكثر فاعلية واستراتيجيات تنمية مُحكمة.

يُعدّ الدور المحوري الذي لعبته دوفلو في الترويج لاستخدام التجارب العشوائية المُحكَمة (RCTs) في البحوث الاقتصادية هو بصمتها الأهم.

تعتمد هذه المنهجية على توزيع الأفراد أو المجتمعات عشوائيًا إلى مجموعات تجريبية وضابطة، ما يسمح بتقييم الأثر السببي الصارم لتدخلات أو سياسات محددة. وقد أتاحت هذه الأداة العلمية تحليلًا دقيقًا لتحديد “ما ينجح وما يفشل” في جهود التنمية ومكافحة الفقر.

منذ تأسيسها لـ مختبر عبداللطيف جميل للعمل ضد الفقر (J-PAL) في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) عام 2003، شاركت دوفلو في قيادة حركة بحثية عالمية تضع الأدلة العلمية في صميم صياغة السياسات.

ركّزت أبحاث دوفلو وفريقها على معالجة مشكلات صغيرة ومحددة تساهم في استمرار الفقر، بدلًا من محاولة حل المشكلة الكلية دفعة واحدة.

ومن خلال التجارب الميدانية التي أُجريت على مدار أكثر من عقدين في دول منخفضة ومتوسطة الدخل، أسفر عملهم عن نتائج عملية هامة:

  • تحسين التعليم: أظهرت تجاربهم في الهند أن برامج التدريس العلاجي والتعليم المعزز بالكمبيوتر أحدثت تأثيرات إيجابية كبيرة على تحصيل الطلاب الأضعف، ما يشير إلى أن أساليب التدريس غير المُكيّفة هي سبب رئيسي لضعف التعلم. كما كشفت دراسات أخرى في كينيا أن وضع المعلمين على عقود قصيرة الأجل (تُجدد بناءً على النتائج) كان أكثر فاعلية في تحسين التعلم من مجرد تقليص حجم الفصول.
  • الصحة والطب الوقائي: أثبتت تجربة في الهند أن إدخال العيادات المتنقلة ضاعف معدلات تطعيم الأطفال، وأن تقديم حافز بسيط (كيس من العدس) مع كل تطعيم رفع هذه المعدلات لأكثر من ستة أضعاف، مسلطة الضوء على دور الحوافز في تشجيع الطب الوقائي لدى الأسر الفقيرة.
  • الزراعة وتبنّي التقنيات: في إفريقيا جنوب الصحراء، كشفت أبحاثهم أن المزارعين الذين يركزون على الحاضر كانوا يؤجلون شراء الأسمدة. وأظهرت التجارب أن تقديم خصم صغير ولفترة محدودة في بداية الموسم الزراعي (حين تتوفر السيولة) أدى إلى شراء كميات أكبر من الأسمدة، ما أسفر عن استنتاج عملي مفاده أن الدعم المؤقت يمكن أن يفوق الدعم الدائم في زيادة دخل صغار المزارعين.

بالإضافة إلى منهجها التجريبي، تناولت أبحاث دوفلو مجموعة من الموضوعات الأساسية في التنمية:

  • دمج الاقتصاد السلوكي: جمعت دوفلو بين رؤى الاقتصاد السلوكي واقتصاديات التنمية لفهم كيف تؤثر العوامل النفسية والسلوكية، مثل الأعراف الاجتماعية والتحيزات الإدراكية، على اتخاذ القرارات الاقتصادية في البيئات منخفضة الدخل.
  • تمكين المرأة: سلّطت أبحاثها الضوء على الدور المحوري للنوع الاجتماعي، مؤكدة على الآثار الإيجابية لتمكين النساء من خلال تعزيز الوصول إلى التعليم والشمول المالي وزيادة القدرة على اتخاذ القرارات، وربطت بشكل مباشر بين المساواة بين الجنسين والتنمية الاقتصادية.
  • فخاخ الفقر والحماية الاجتماعية: استكشفت دوفلو مفهوم “فخ الفقر” وفاعلية برامج الحماية الاجتماعية، مثل التحويلات النقدية، في كسر هذه الدوائر وتعزيز الحراك الاقتصادي.

أدى عمل دوفلو وبانيرجي وكريمر إلى تحويل مسار علم اقتصاديات التنمية، حيث أصبح منهجهم التجريبي معيارًا متبعًا.

وقد أثرت أبحاثهم بشكل مباشر وغير مباشر في صياغة السياسات الوطنية والدولية؛ فعلى سبيل المثال، وصلت البرامج التي نُفذت بناءً على دراساتهم حول التدريس العلاجي في الهند إلى أكثر من خمسة ملايين تلميذ.

كما ألهم نهجهم العديد من الهيئات العامة والخاصة لتبني التقييمات المنهجية لبرامج مكافحة الفقر.

في النهاية، تقدم إستر دوفلو نموذجًا للاقتصادية التي تصر على أن تكون السياسات الإنمائية “قائمة على الأدلة” ومصممة بدقة لتلبية احتياجات الفئات الأكثر فقرًا، ما يجعلها رائدة حقيقية في العمل ضد الفقر العالمي.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى