نوفو نورديك: قصة نجاح استثنائية في عالم الأدوية
تتوالى قصص النجاح اللافتة في عالم الأعمال، حيث يظهر بين الحين والآخر شركات تمكنت من تحقيق اختراقات كبيرة في مجالاتها.
و من بين هذه الشركات تبرز “نوفو نورديك” في عالم صناعة الأدوية، حيث استطاعت الشركة الدنماركية أن تحقق نجاحات استثنائية في سوق مليء بالمنافسة الشرسة، مما جعل اسمها يسطع بشكل لافت في السنوات الأخيرة.
سر نجاح “نوفو نورديك” يكمن في قدرتها على استغلال “الفجوة السوقية” بذكاء، وهي استراتيجية اعتُبرت من قبل كبار المستثمرين مثل “بنيامين غراهام” و”بيتر لينش” وكذلك مؤسسي شركات ضخمة مثل “علي بابا” و”شي إن” بأنها الطريق الأمثل لتحقيق النمو السريع والازدهار في عالم الأعمال.
و في حالة نوفو نورديك، تمثل الفجوة في تزايد الحاجة لعلاج السمنة وزيادة الوزن، حيث تشير الإحصاءات إلى أن واحدًا من كل ثمانية أشخاص يعانون من السمنة في العالم، وأن نحو 32% من سكان الأرض يعانون من زيادة الوزن.
في الوقت نفسه، يُعد السوق الأمريكي أكبر الأسواق المتضررة من مشكلة السمنة، مما أتاح لشركة نوفو نورديك فرصة كبيرة لتحقيق مبيعات ضخمة لمنتجاتها.
وفي هذا السياق، نجحت الشركة في تقديم حلول فعالة لمشكلة السمنة دون الوقوع في المحاذير الصحية التي عانت منها شركات سابقة في هذا المجال.
و تأسست “نوفو نورديك” في شكلها الحالي عام 1989 من اندماج شركتين دانمركيتين هما “نوفو إندرستري” و”نورفيك جينتوفتي”، وركزت منذ بداياتها على تطوير علاجات مرض السكري.
لكن الاختراق الحقيقي للشركة لم يحدث إلا في عام 2017 مع إطلاقها لعقار “أوزمبيك”، الذي أحدث فارقًا كبيرًا في نمو الشركة، وسمح لها بالتحول من شركة محلية إلى إحدى الشركات العالمية البارزة في صناعة الأدوية.
منذ إطلاق “أوزمبيك”، أصبح العقار أحد المحركات الرئيسية لنمو شركة نوفو نورديك، حيث يُسهم بأكثر من 40% من إجمالي إيرادات الشركة. بينما حقق عقار “ويجوفي” الموجه أيضًا لمرضى السمنة نجاحًا كبيرًا، حيث يُسهم بحوالي 16% من الإيرادات.
و بهذا الشكل، أظهرت الشركة قدرة فائقة على استثمار هذا القطاع في وقت كان يعاني فيه العالم من انتشار السمنة والبدانة كأحد أكبر المشكلات الصحية.
و عندما نتابع مسار نمو الشركة، نجد أن نتائجها المالية تُظهر قصة نجاح مدهشة. في عام 2023، أظهرت ميزانيتها نموًا في الأرباح بنسبة 35% مقارنة بالعام السابق، ليصل إجمالي الإيرادات إلى 28.5 مليار دولار.
كما حققت الشركة في الربع الثالث من 2024 نموًا بنسبة 23% في إيراداتها.
ومع هذا النمو الكبير، ارتفع سعر سهم الشركة بنسبة 297% بين عامي 2019 و2024، لتصل قيمتها السوقية إلى 465 مليار دولار، مما يجعلها واحدة من أبرز الشركات في قطاع الأدوية.
تواصل “نوفو نورديك” خططها التوسعية، حيث تعتزم دخول أسواق جديدة مثل الصين، ثاني أكبر سوق في العالم.
كما تخطط لدخول مجالات جديدة مثل علاج مرض ألزهايمر، وهي خطوة قد توفر فرصًا جديدة للنمو، ولكنها أيضًا تطرح تحديات جديدة نظرًا لاختلاف هذا المجال عن تخصصاتها التقليدية في علاج السمنة والسكري.
من جهة أخرى، يتوقع بعض المحللين أن تستمر الشركة في تحقيق نمو قوي، مع تقديرات بزيادة سعر سهمها بنسبة 35% في العام المقبل.
ومع ذلك، هناك بعض المخاطر التي قد تؤثر على مسارها، مثل إخفاق بعض التجارب السريرية لأدوية جديدة، مما قد يؤدي إلى تراجع القيمة السوقية للشركة في المستقبل.
إحدى القضايا التي تثير الجدل هي أسعار الأدوية التي تقدمها الشركة، مثل سعر جرعة “أوزمبيك” التي تُباع في الولايات المتحدة بأسعار أعلى بكثير مقارنة بأسواق أخرى مثل كندا وألمانيا.
هذه الممارسات أثارت انتقادات واسعة، وخاصة من السياسيين مثل عضو الكونغرس “بيرني ساندرز”، الذي وصف الشركة بأنها تفرض أسعارًا مرتفعة غير مبررة.
رغم التحديات التي تواجهها “نوفو نورديك”، تظل الشركة في وضع تنافسي قوي، مع سجل مبيعات مذهل في سوق الأدوية لعلاج السمنة. وتعتبر الفرص التي توفرها الأسواق العالمية، خاصة مع دخولها في مجالات جديدة مثل علاج ألزهايمر وأمراض الكبد، جزءًا من استراتيجية نموها المستدام. وبذلك، تظل نوفو نورديك واحدة من أبرز القصص في عالم الأعمال، مع فرص كبيرة للتوسع والنمو في المستقبل.