الرسوم الجمركية: سلاح ذو حدين في سياسة ترامب التجارية
من المعروف أن الرئيس الأمريكي المنتخب، “دونالد ترامب”، استخدم التهديد بفرض تعريفات جمركية كأداة ضغط للتفاوض مع الدول الأخرى، ولكن إذا تم تنفيذ هذه الرسوم بالفعل، فقد تصبح سلاحًا ذا حدين يؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد الأمريكي.
في اليوم الأول من عودته إلى البيت الأبيض، أعلن “ترامب” عن تهديده بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات من المكسيك وكندا، بالإضافة إلى 10% إضافية على السلع الصينية.
هذا القرار قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار هذه المنتجات في السوق الأمريكية، مما يتعارض مع وعوده الانتخابية المتعلقة بتخفيف الضغط التضخمي عن الأسر الأمريكية.
ستضطر الشركات إلى تمرير هذه التكاليف الإضافية للمستهلكين، ما سيؤدي إلى زيادة كبيرة في أسعار السلع الأساسية مثل المواد الغذائية، الملابس، والسيارات.
ورغم أن “ترامب” وحلفاءه أكدوا أن التعريفات الجمركية التي فرضها خلال ولايته الأولى لم تُسهم في زيادة التضخم، فإن العديد من الخبراء يحذرون من تداعيات هذه السياسة. “ماري لوفلي”، الزميلة بمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي، قالت إن التهديد بالرسوم الجمركية قد يجعل الولايات المتحدة شريكًا تجاريًا غير مستقر على المدى الطويل، ما قد يدفع الشركات إلى نقل نشاطها إلى الخارج لتجنب هذا النوع من عدم اليقين.
من جهة أخرى، أظهرت أبحاث المعهد أن التعريفات الجمركية (بالإضافة إلى الاقتراح بزيادة الرسوم على السلع الصينية بنسبة 60%) قد تؤدي إلى زيادة في النفقات السنوية للأسرة الأمريكية تتجاوز 2600 دولار.
و في عام 2023، كانت المكسيك أكبر مصدر للعديد من المواد الغذائية إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك الخضراوات والفواكه والمكسرات.
إذا تم تنفيذ التعريفات، فإن فاتورة البقالة الأمريكية سترتفع بشكل ملحوظ، خاصة وأن المكسيك تزود السوق الأمريكية بنسبة كبيرة من المنتجات الزراعية مثل الفراولة، التوت، الفلفل، والطماطم.
وفي الوقت نفسه، تصدر كندا العديد من السلع الأخرى إلى الولايات المتحدة مثل البطاطس، الكاكاو، المواد البلاستيكية، الأدوية، والمستحضرات الكيميائية.
إذا أُعيد فرض الرسوم الجمركية، فإنها ستؤدي إلى زيادة أسعار الفاكهة والخضراوات الطازجة، وتضر بالمزارعين الأمريكيين أيضًا، الذين قد يواجهون صعوبة في منافسة الأسعار المرتفعة بسبب الردود التجارية من المكسيك وكندا.
من المتوقع أن تتأثر صناعة الإلكترونيات أيضًا بهذا القرار. في عام 2023، كانت المكسيك وكندا من بين أكبر موردي الأجهزة الإلكترونية إلى الولايات المتحدة. قد تؤدي الرسوم الجمركية إلى زيادة كبيرة في أسعار المنتجات مثل أجهزة التلفاز، الحواسيب المحمولة، والألعاب الإلكترونية، مما يقلل القدرة الشرائية للمستهلكين الأمريكيين بمقدار يصل إلى 90 مليار دولار سنويًا.
وفي قطاع السيارات، تصدر المكسيك وكندا جزءًا كبيرًا من السيارات وأجزائها إلى الولايات المتحدة. أي فرض للرسوم الجمركية على هذه الواردات قد يؤدي إلى زيادة أسعار السيارات بشكل كبير، وهو ما قد يعوق قدرة الأمريكيين على شراء السيارات الجديدة في وقت يعانون فيه من الأسعار المرتفعة بالفعل.
على الرغم من أن الولايات المتحدة هي أكبر منتج للنفط في العالم، إلا أنها لا تزال تعتمد على واردات النفط، مع كون كندا المصدر الأكبر لهذا الخام. إذا تم فرض تعريفات جمركية على النفط الكندي، فقد ترتفع أسعار البنزين بنسبة تصل إلى 5%، وهو ما سيؤثر على ميزانيات الأسر الأمريكية بشكل ملموس.
تُظهر هذه الأمثلة أن فرض التعريفات الجمركية على الواردات من شركاء أمريكا التجاريين قد يعود بنتائج عكسية. بدلاً من الحد من التضخم، قد يؤدي ذلك إلى زيادة الأسعار على المستهلكين الأمريكيين ويزيد من الضغوط الاقتصادية على العديد من القطاعات.
في النهاية، قد يجد “ترامب” نفسه أمام تحديات اقتصادية قد تجبره على إعادة النظر في استراتيجياته التجارية.