الجمعيات المدنية تطالب بإصلاحات جذرية في مشروع قانون المالية 2025
قدّم ائتلاف مدني مكون من ثلاث هيئات جمعوية كبرى في المغرب، وهي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، “الفضاء الجمعوي”، والجمعية المغربية لمحاربة الرشوة (ترانسبرانسي المغرب)، قراءة نقدية لمشروع قانون المالية لعام 2025، معتبراً إياه انعكاساً لغياب “مشروع الدولة الاجتماعية”، وذلك في إطار جهود هذه الهيئات لمتابعة السياسات العمومية وتقييم فعاليتها.
توجهت المذكرة إلى الحكومة وأعضاء البرلمان بمجلسيه، بالإضافة إلى النقابات والمواطنين، بهدف تقديم تقييم موجز لسياسات الحكومة، بناءً على مبادئ الدستور الذي يخول المجتمع المدني حق المساهمة في النقاشات المتعلقة بالقوانين والسياسات.
وقد ركزت المذكرة على عدة نقاط جوهرية تتعلق بالإصلاحات الضريبية، المديونية، وشفافية الميزانية.
و ركزت المذكرة على الهيكل الضريبي في المغرب، مشيرة إلى أن الضرائب الثلاث الكبرى، وهي ضريبة القيمة المضافة (TVA)، ضريبة الشركات (IS)، وضريبة الدخل (IR)، تشكل اليوم ما يقرب من 75% من إجمالي الموارد المالية في مشروع قانون المالية 2025.
ورغم أهمية هذه الضرائب في تمويل الميزانية العامة، فقد أكدت الهيئات الجمعوية على غياب الإصلاحات الشاملة والشفافة التي قد تجعل النظام الضريبي أكثر عدلاً وكفاءة.
و من أبرز النقاط التي تناولتها المذكرة هي قضية المديونية في المغرب. وفقاً للأرقام الواردة في مشروع القانون، تبلغ تكلفة الدين العام في 2025 حوالي 45.1 مليار درهم، مع تسديدات تصل إلى 107.24 مليار درهم، وهو ما يمثل 85.79% من إجمالي المبلغ الذي سيتعين اقتراضه.
وقد انتقدت الهيئات الجمعوية هذا الاعتماد الكبير على الاقتراض لتسديد القروض السابقة، مشيرة إلى أن المديونية العامة تتجاوز 100% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يشكل تهديداً للاستدامة المالية.
أحد القضايا الجوهرية التي تطرقت إليها المذكرة هي شفافية الميزانية، لاسيما في شق النفقات الضريبية. وقد أشار التقرير إلى أن الإعفاءات الضريبية، التي بلغت في 2024 حوالي 32.15 مليار درهم، تفتقر إلى التقييم الشامل من حيث آثارها الاجتماعية والاقتصادية.
هذه الإعفاءات تُعتبر من وجهة نظر الهيئات مزايا تُمنح دون أن تحقق نتائج ملموسة في مجالات الاستثمار وخلق فرص العمل، وهو ما يُضعف من جدوى هذه السياسات الضريبية.
و في سياق الإصلاح الضريبي، أوصت الهيئات الجمعوية بضرورة إدماج الأنشطة غير الرسمية في النظام الضريبي لتوسيع قاعدة الإيرادات.
كما دعت إلى إعادة النظر في النفقات الضريبية من خلال إجراء تقييم تحليلي لمحتوى هذه الإعفاءات ومدى تأثيرها الفعلي على الاقتصاد والمجتمع.
وفي هذا الإطار، اقترحت الهيئات إنشاء “ضريبة دائمة على الثروات الكبيرة”، لتحل مكان مساهمة التضامن الاجتماعي على الأرباح والدخل التي من المقرر أن تنتهي في 2025.
هذا النوع من الضرائب يمكن أن يعزز العدالة الضريبية ويحقق التماسك بين السياسة الضريبية ومشروع الدولة الاجتماعية.
وفي ختام مذكرتها، أكدت الهيئات الجمعوية على أن إرساء العدالة الضريبية يستلزم أولاً وقبل كل شيء تعزيز الرقابة الضريبية من خلال تطوير القدرات الإدارية وتوظيف التكنولوجيا الحديثة في عمليات التدقيق والتحقق.
كما شددت على أهمية دور البرلمان في عملية إصلاح النظام الضريبي، داعية إلى عقد جلسات وطنية للضرائب تكون أكثر فعالية من حيث إشراك مختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين.
باختصار، تعتبر هذه القراءة لمشروع قانون المالية لعام 2025 دعوة إلى مراجعة شاملة للنظام الضريبي في المغرب، بهدف تحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية والاقتصادية، والتقليص من الفوارق الطبقية.