المؤثرون في سوق المال: كيف يعبث ذئاب إنستغرام بمصير المتداولين الجدد ؟
في عصر الاستثمار الرقمي، أصبح المؤثرون على منصات التواصل الاجتماعي قوة لا يستهان بها في جذب المبتدئين إلى سوق المال.
هؤلاء المؤثرون غالباً ما يسوقون لأنفسهم كخبراء في التداول، لكنهم في الواقع يشكلون تهديداً كبيراً للمستثمرين الجدد الذين ينخدعون بوعودهم الزائفة.
من خلال تقديم نصائح تداول غير دقيقة، بيع دورات تدريبية باهظة الثمن، والترويج لمنصات تداول شريكة، يحقق هؤلاء المؤثرون أرباحاً ضخمة بينما يتسببون في خسائر فادحة للمستثمرين المبتدئين.
هذه الظاهرة تثير قلق الخبراء الذين يدعون إلى تدخل قانوني صارم وتوفير تعليم مالي فعال لحماية الأفراد من مخاطر التداول عبر الإنترنت.
كما يعدّ معظم هؤلاء المؤثرين غير مؤهلين أكاديمياً في مجالات المال أو الاقتصاد. يروجون لأفكار حول إمكانية تحقيق الثروة السريعة وتحقيق الحرية المالية بأساليب بسيطة وسهلة، ولكن ما وراء هذه الوعود هو واقع مغاير تماماً.
فبدلاً من الثراء الفوري، يكمن في هذه العروض وهم من الأرباح السريعة وتكاليف خسائر مدمرة للمستثمرين، في كثير من الأحيان مصحوباً بممارسات غير قانونية أو مشكوك فيها.
تحليل هذه الظاهرة يبرز أنهم غالباً ما يكونون من الشباب بين 25 و40 عاماً، غالباً دون أي تجربة حقيقية في عالم المال، ويعتمدون على الصورة الشخصية التي يبنونها على الإنترنت أكثر من تقديمهم كخبراء حقيقيين.
فبعضهم بدأ في مجالات مثل التدوين أو التدريب الشخصي قبل التوجه إلى مجالات التداول.
و بالرغم من وعيهم بالمخاطر المرتبطة بالتداول، فإن مغريات الربح السريع تجعل البعض منهم يستمرون في تقديم وعود غير واقعية لمتابعيهم.
و في غياب القوانين التي تنظم هذه الممارسات، تصبح وسائل التواصل الاجتماعي أرضاً خصبة لنشر المخاطر.
و من خلال متابعة منشورات هؤلاء المؤثرين، يتبين أنهم يعرضون صوراً مغرية للحياة الرفاهية: سيارات فاخرة، رحلات استثنائية، وأرباح ضخمة في وقت قياسي.
هذه الصور تحفز المتابعين على الإيمان بأنهم يمكنهم أن يعيشوا هذه الحياة بجهد قليل. ولكن وفقاً لدراسة من هيئة الأسواق المالية (AMF)، فإن حوالي 90% من المتداولين الأفراد ينتهي بهم الأمر بخسارة أموالهم.
في مواجهة هذه الإحصائيات، يواصل المؤثرون تقديم ما يعتبرونه “طرق سرية” لتحقيق الاستقلال المالي، متجاهلين المخاطر التي تنطوي على تداول منتجات عالية المخاطر مثل الفوركس أو العملات المشفرة.
كما لا يقتصر الأمر على الترويج لأساليب تداول فقط، بل يمتد ليشمل بناء مجتمعات مغلقة على منصات مثل تيليغرام وواتساب. هذه المجتمعات تُستخدم كوسيلة لتعزيز الثقة وجعل المتابعين يعتقدون أنهم جزء من دائرة نخبوية تمتلك أسراراً مالية لا يعرفها الآخرون.
ولتعزيز صورتهم كأشخاص ناجحين، يلجأ البعض منهم إلى التلاعب بالصور والحقائق، مثل استخدام لقطات معدلة أو عرض تداولات وهمية على حسابات تجريبية.
أحد الموظفين السابقين لأحد هؤلاء المؤثرين كشف عن “سوق كامل” يقوم فيه هؤلاء باستئجار سيارات فاخرة فقط من أجل التصوير، وعرض تداولات وهمية لجذب المتابعين.
و من خلال بيع إشارات تداول مدفوعة، التي غالباً ما تكون غير دقيقة، يزيد هؤلاء المؤثرون من خسائر المتابعين الذين يعتمدون على نصائحهم.
كما يروجون لمنصات تداول معينة من خلال روابط تابعة، حيث يحصلون على عمولات من وراء عمليات التسجيل، مما يخلق تضارب مصالح حاد، حيث يتوجه المتابعون للتداول على المنصات التي توفر أكبر عمولة للمؤثر وليس تلك الأنسب لهم.
و في ظل تزايد تأثير هذه الظاهرة، يبقى التساؤل الأهم: كيف ستتعامل الأنظمة المالية المستقبلية مع هذه الأنشطة؟
هل سيعتمد هؤلاء المؤثرون على مجالات استثمارية جديدة، أم أنهم سيتبنون ممارسات أكثر شفافية؟ ما هو مؤكد هو أن الثراء السريع ليس واقعياً، وأولئك الذين يروجون له غالباً هم الوحيدون الذين يحققون الأرباح.