الاقتصادية

أكتوبر المفاجئ: هل تتآمر النخبة الأمريكية على مصلحة البلاد في الانتخابات؟

في الرابع من نونبر عام 1979، في أعقاب الثورة التي أطاحت بشاه إيران الموالي لأمريكا، هاجمت مجموعة من الطلاب سفارة الولايات المتحدة في طهران، واحتجزوا أكثر من 50 مواطنًا أمريكيًا بينهم القائم بأعمال السفير.

848a30ec b442 4ea5 b86d 3ef50b37eae1 Detafour

الحدث الفاجع لسياسة واشنطن الخارجية، والذي بات يعرف لاحقًا بـ “أزمة رهائن السفارة الأمريكية في طهران”، طغى على العناوين الرئيسية للصحف والنشرات الإخبارية وأصبح حديث العالم أجمع، وجعل الإدارة الأمريكية في عهد “جيمي كارتر” تبدو ضعيفة وغير فعالة.

يصف مكتب التأريخ التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، حقبة “كارتر” بأنها كانت الأخطر بالنسبة لتمثيل الولايات المتحدة في الخارج، ويقول إن الأزمة قوضت نشاط الرئيس في مجال السياسة الخارجية، وبدا الفريق الذي يقوده آنذاك “ضعيفًا ومترددًا” في كثير من الأوقات.

وتجلى هذا الضعف في استمرار الوضع على ما هو عليه 444 يومًا، ويعتقد المؤرخون أن هذه الفترة شكلت منحة للاتحاد السوفييتي، والذي قدم الدعم للمتمردين الماركسيين في إثيوبيا وأنجولا وموزمبيق، والذين حققوا مكاسب قوية آنذاك.

كما استطاعت فيتنام الفوز في الحرب الحدودية مع الصين وسيطرت على كمبوديا، وغزا الاتحاد السوفييتي أفغانستان لدعم الحكومة الماركسية، وهي كلها انتصارات أجبرت “كارتر” على تغيير وجهة نظره بشأن القطب العالمي الآخر.

كان “كارتر” في البداية يفضل سياسة التفاوض، ولكن بحلول عام 1980 أصبح أكثر تقبلاً لموقف مستشاريه الأمنيين المشجع للمواجهة، ووصلت القضية إلى ذروتها عندما أعلن وزير الخارجية “سايروس فانس” استقالته احتجاجًا على إرسال قوة خاصة لتحرير الرهائن.

وتبين أن “فانس” كان محقًا، ففي أبريل من ذلك العام، فشلت قوية عسكرية أمريكية في تنفيذ عملية الإنقاذ بعدما هبطت في جنوب شرق طهران، وقُتل نحو 8 أفراد بسبب ما قيل إنها “مشاكل فنية” أدت لتعطل طائرات واصطدام بعضها ببعض.

e64fef1a 0d26 4340 9afd 1211034ed88c Detafour

كانت الانتخابات الرئاسية على بعد أشهر قليلة، وشعر “كارتر” بالإهانة وأصبح موقفه أكثر تأزمًا، وبدلًا من التركيز على القضية الرئيسية، بذل جهودًا كبيرة لاستعادة جثث الجنود التي عُرضت أمام الكاميرات في إيران.

وظلت الأمور جامدة خلال الأشهر التالية للهجوم الفاشل، لكن مع اندلاع حرب الخليج الأولى واستمرار الضغوط الدولية والوساطة العربية، عاد الطرفان إلى طاولة المفاوضات ونجحا في إبرام اتفاق مشترك أخيرًا.

لكن بحلول ذلك الوقت، كان “كارتر” خسر الكثير من شعبيته وأيضًا منصبه أمام منافسه الجمهوري، وأُطلق سراح الرهائن في العشرين من يناير عام 1981 بعدما أدى “رونالد ريغان” اليمين الدستورية مباشرة، في هزيمة رمزية أخرى للديمقراطيين الذين تحملوا عبء المفاوضات الرسمية.

– يرجع تاريخ مصطلح “مفاجأة أكتوبر” إلى أوائل القرن العشرين، عندما استخدمته إحدى الصحف للإشارة إلى مبيعات الملابس في المتاجر الكبرى خلال الخريف، لكنه اكتسب صباغة سياسية خلال الانتخابات الرئاسية عام 1980.

– أول من استخدمه آنذاك كان “ويليام كيسي” مدير حملة “ريغان” الانتخابية، والتي كان موضوعها الشاغل طوال هذا العام هو أزمة رهائن السفارة الأمريكية، وكانت تخشى في الوقت نفسه أن ينجح “كارتر” في تحرير الرهائن قبل الانتخابات مباشرة.

– كتبت صحيفة “واشنطن بوست” في ذلك الوقت، أن أكبر مخاوف الدائرة الداخلية لـ “رونالد ريغان” هو أن يحصل الرئيس “كارتر” على دفعة غير متوقعة في الحملة من “مفاجأة أكتوبر”.

– في الأدبيات السياسية الأمريكية، أصبح مصطلح “مفاجأة أكتوبر” يشير منذ ذلك الحين إلى حدث رئيسي يمكنه أن يغير قواعد اللعبة ويلحق ضررًا غير قابل للإصلاح بفرص أحد المرشحين ويعزز فرص الآخر.

– يمكن أن تأتي “مفاجأة أكتوبر” في شكل هجوم سياسي منظم أو شيء غير مخطط له قد يغير مسار الانتخابات بشكل حاسم، وفي انتخابات عام 1980، تحقق الإثنين معًا.

– بدلًا من تعرض “ريغان” لـ “مفاجأة أكتوبر” غير سعيدة، كان فشل “كارتر” في تحرير الرهائن هبة غير متوقعة للجمهوريين، حيث حقق الأول نجاحًا ساحقًا بالفوز بـ 489 صوتًا من أصوات المجمع الانتخابي، مقابل 49 فقط لمنافسه الديمقراطي.

– لكن الظروف غير المتوقعة لم تكن العامل الوحيد، فعلى ما يبدو سعى الجمهوريون نحو “مفاجأة على طريقتهم الخاصة”، ووفقًا تقرير نشرته “نيويورك تايمز” في مارس 2023، سافر إثنين من زعماء الحزب في جولة عبر الشرق الأوسط خلال فترة الجمود (صيف 1980).

– في هذه الرحلة، شجع الجمهوريون الوسطاء للضغط على إيران من أجل إبقاء الرهائن في طهران لحين انتهاء الانتخابات، بحسب ما ذكره أحد السياسيين المشاركين في الجولة، التي أشرف عليها “كيسي”، الذي عينه “ريغان” مديرًا لوكالة الاستخبارات المركزية بعد الانتخابات.

– كان “كيسي” بالأساس من أبرز جواسيس الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية، ووضعه على رأس وكالة الاستخبارات، كان دليلًا قويًا على المزاعم المتداولة على مدار عقود بأن حملة “ريغان” أبرمت صفقة مع الحكومة الإيرانية لمنع إطلاق سراح الرهائن.

– في كتاب “وكر الجواسيس- Den of Spies“، يصف الكاتب والمراسل الأمريكي “كريج أونغر”، “كيسي”، بأنه “جيمس بوند”، وأنه رجل يستطيع التحرك في عشرات الاتجاهات في آن واحد، وأنه كان لديه شبكة سرية استطاعت بيع الأسلحة لاحقًا إلى إيران دون القبض على أي شخص.

– على أي حال، ورغم أن صياغة المصطلح سياسيًا حدثت في الثمانينيات، كانت هناك أحداث عدة عبر التاريخ وصفت بأنها “مفاجأة أكتوبر”، ومع قرب انتخابات هذا العام، تمتد الأحداث المشتعلة في أرجاء الشرق الأوسط، فهل يكون الساسة الأمريكيون على موعد مع مفاجأة جديدة؟

مفاجآت أكتوبر في التاريخ الأمريكي

التاريخ

الحدث

التأثير

1840

– كان يعلم الرئيس “مارتن فان بورين” أن الادعاء الفيدرالي يخطط لاتهام كبار السياسيين في حزب “الهويجز” أو “الأحرار” بالاحتيال ودفع الأموال لمواطني بنسلفانيا للسفر إلى نيويورك والتصويت في الانتخابات مرات عدة عام 1838.

– اعتمد “مارتن” على هذه الخطط لتحقيق مكاسب انتخابية، وبالفعل أُعلن عن الادعاءات في منتصف أكتوبر من عام الانتخابات بهدف تعظيم التأثير على الناخبين، بالقضية التي شغلت الصحافة آنذاك.

– نفى الأحرار الاتهام في البداية، قبل أن يعترف أحد المخططين للاحتيال الانتخابي بالادعاءات، لكن رد فعل الناخبين لم يكن قويًا كما يأمل “مارتن”.

  خسر “مارتن” الانتخابات

1940

كان الرئيس “فرانكلين روزفلت” قلقًا بشأن كسب أصوات أصحاب البشرة السمراء حيث تعرض لانتقادات لسماحه باستمرار الفصل العنصري في الجيش، كما كان يواجه خصمًا قويًا في ما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان.

– قبل أقل من شهر من الانتخابات، اعتدى مساعده الصحفي على ضابط شرطة أسود في مدينة نيويورك، وهي الخطوة التي اعتُبرت مثالًا على المعاملة المزدوجة.

– للتخفيف من الأضرار السياسية، أعلن “روزفلت” قبل أيام من الانتخابات، ترقية العقيد “بنيامين ديفيس” إلى رتبة عميد، ليصبح أول أمريكي من أصل أفريقي يصل إلى هذه الدرجة، وأعلن عن إنشاء قوات “توسكيجي” الجوية، وهي المجموعة الشهيرة من الطيارين العسكريين الأمريكيين من أصل أفريقي في الحرب العالمية الثانية.

فاز “روزفلت” بالانتخابات

1968

– بطل هذه المفاجأة هو “ويليام كيسي” أيضًا، والذي كان يعمل في ذلك الوقت مساعدًا للمرشح الجمهوري “ريتشارد نيكسون”.

– كان يخشى “كيسي” أن يحاول الرئيس “ليندو جونسون” إبرام اتفاق سلام في فيتنام، قبل الانتخابات مباشرة، وهو ما يصب في صالح نائبه والمرشح الديمقراطي “هيوبرت همفري”.

– كان “كيسي” محقًا في شكوكه، فقبل وقت قصير من الانتخابات، أعلن “جونسون” وقف القصف وبدء محادثات سلام جديدة، وعلى الفور تقدم “همفري” لفترة وجيزة في استطلاعات الرأي.

– تواصل الجمهوريون مع رئيس فيتنام الجنوبية آنذاك، وشجعوه على عدم حضور محادثات السلام، بوعد أنه في حال فوز “نيكسون”، فسيقدم لهم دعمًا أقوى من إدارة “جونسون”.

– قبل 3 أيام من الانتخابات، انسحب الفيتناميون الجنوبيون من محادثات السلام.

فاز “نيكسون” بالانتخابات

1992

– باعت إدارة “ريغان” الأسلحة بشكل غير قانوني إلى إيران في عام 1987، واستخدمت الأموال لتمويل ميليشيا معادية للشيوعية في نيكاراجوا، لكن القضية خرجت للنور في خريف عام 1992.

– قبل أربع أيام فقط من انتخابات “جورج بوش” الأب و”بيل كلينتون”، وُجهت اتهامات لوزير الدفاع السابق “كاسبر واينبرجر” بالكذب.

– عفا “بوش” عن “واينبرجر” قبل مغادرة منصبه الذي لم يتمكن من الحفاظ عليه.

  خسر “بوش” الانتخابات

2008

– في أكتوبر عام 2008، تسارع انهيار سوق الأسهم، وبلغت البطالة أعلى مستوياتها في 14 عاماً، وبدأ الأمريكيون يشعرون بتأثير الركود الكبير، ما أدى إلى تدهور شعبية “بوش” الابن المرتفعة بالفعل مع انتهاء فترة ولايته في البيت الأبيض.

– كان هذا التدهور نذيرًا بضياع فرص المرشح الجمهوري “جون ماكين”، الذي قال قبل شهر فقط إن “أساسيات الاقتصاد قوية”، وهي أخطاء استغلها منافسه الديمقراطي “باراك أوباما”.

  فاز “أوباما” بالانتخابات

هل من مفاجأة في أكتوبر 2024؟

– الآن، وقبل أسابيع قليلة من انعقاد انتخابات الرئاسة الأمريكية المقررة في الخامس من نوفمبر المقبل، يبدو أن هناك العديد من البطاقات لدى الجانبين (الديمقراطي والجمهوري) للتأثير على شعبية أحدهما الآخر.

– فكر مثلًا في القضايا الجيوسياسية التي تعصف بالشرق الأوسط وأوكرانيا، والملفات العديدة الشائكة مع الصين، والخلافات التجارية، ناهيك عن الملاحقات والادعاءات القانونية ضد الرئيس السابق والمرشح الجمهوري الحالي “دونالد ترامب”.

– قد لا يحتاج الديمقراطيون أكثر من استمرار تراجع التضخم وتخفيف الفيدرالي لسياسته، مع اعتدال النمو الاقتصادي، وفي أحسن الأحوال، قد يتطلعون إلى تهدئة الاضطرابات في الشرق الأوسط، ورغم أن ذلك لا يبدو احتمالًا وشيكًا، فإنه قد يكون أكبر مفاجآتهم إذا حدث.

– منذ عام 1948، تحركت حظوظ المرشحين الديمقراطيين للرئاسة بحلول يوم الانتخابات بمقدار 1.4% في المتوسط، مقارنة بما كانت عليه في الشهر السابق، لكن مع زيادة الاستقطاب انخفض هذا الرقم إلى 0.6% في آخر 5 انتخابات، ما يجعل الفارق قليل للغاية، والنتائج غير يقينية.

– هذا يعني أن نتائج انتخابات هذا العام ستكون متقاربة للغاية ويمكن لأي مؤثر خارجي أن يغير المحصلة النهائية، مثلما حدث قبل 11 يومًا من انتخابات 2016، عندما اتهم مكتب التحقيقات الفيدرالي المرشحة الديمقراطية “هيلاري كلينتون” باستخدام خادم بريد إلكتروني خاص ، لتخسر الانتخابات بفارق ضئيل.

e5520ce9 dadc 4104 ac99 f10c4734220f Detafour

– “كلينتون” نفسها قالت في مقابلة تلفزيونية مؤخرًا: “أتوقع أن يحدث شيء ما في أكتوبر، كما يحدث دائمًا، أتوقع أن يبذل ’ترامب‘ والجمهوريون جهودًا متضافرة لتشويه ’كامالا هاريس‘ وما تفعله”.

– يقول “أونغر” إن مفاجأة أكتوبر عام 1980 هي مقدمة لما تشهده أمريكا مع “ترامب” الآن، وإنها كانت عملية “خيانة سرية لتخريب الانتخابات الرئاسية الأمريكية”، واليوم يتقرب المرشح الجمهوري من حلفاء مثل “بنيامين نتنياهو” و”فلاديمير بوتن” واللذين قد يتدخلان في هذه الانتخابات.

منطقة اللعب: الشرق الأوسط

– قد يكون الشرق الأوسط الملعب الرئيسي لتحركات الجمهوريين قبيل الانتخابات مثلما كان الحال قبل 44 عامًا، خاصة في ظل ضغط الديمقراطيين على إسرائيل من أجل التهدئة في غزة ولبنان، والاكتفاء بهجوم انتقامي محدود على إيران.

– في الوقت الذي ترفض فيه إسرائيل التهدئة وتبدو عازمة على التصعيد، يظهر “ترامب” كأحد أبرز الداعمين لهذا التوجه، خاصة أن اتساع دائرة العنف قد يؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط، ويترتب عليه ضغوط تضخمية جديدة تضعف موقف الديمقراطيين، ناهيك عن إظهار فشل سياستهم الخارجية في احتواء الصراع.

– كشفت تقارير مؤخرًا نقلًا عن تقديرات للحكومة الأمريكية، أن إيران لا تزال تخطط لاغتيال “ترامب”، وأن حملته طلبت طائرات ومركبات عسكرية وإجراءات حماية خاصة، لتأمينه ضد أي هجوم محتمل باستخدام الدرون أو الصواريخ الباليستية.

– قد تكون هذه محاولة من حملة “ترامب” لاسترعاء الانتباه خاصة بعد محاولتي اغتيال فاشلتين، لكنها قد تعكس أيضًا مخاوف واستعدادات حقيقة لرد محتمل على جهود المرشح الجمهوري لعرقلة جهود التهدئة وتشجيعه للتصعيد، على أمل إضعاف جبهة منافسيه الديمقراطيين.

39faa04d ba27 4371 bab8 a2a803982a2d Detafour

– أسابيع قليلة تفصل العالم على انتخابات أقوى دولة في العالم، والرد الإسرائيلي على هجوم إيران الصاروخي يلوح في الأفق ، فهل يكشف أكتوبر عن مفاجأة سارة للشرق الأوسط يشهد خلالها هدوء التوترات، والتي تصب بدورها في صالح الديمقراطيين.

– أم أن الجمهوريين عقدوا عزمهم بالفعل على مفاجأة تمزج بين تجربتي 1968 و1980، حيث يتسببون في فشل جهود السلام لإحراج منافسيهم، ومن ثم الظهور بمظهر المنقذ المخلص؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى