الاقتصادية

هل تتحكم العواطف في الأسواق أم العقل؟

– خَلَّفت الأزمات الاقتصادية الأخيرة جراحًا غائرة في نسيج المجتمع مهددة بانهيار النظام المالي برمته، وكشفت هذه الأزمات عن هشاشة بنيان الاقتصاد، عارضة نقاط ضعفه الجوهرية.

– يُعد كتاب “فرضية عقل السوق” للأكاديمي البارز باتريك شوتانوس محاولة طموحة لإعادة صياغة أسس علم الاقتصاد، لا سيما فيما يتعلق بآليات عمل الأسواق.

b0654b04 d6b2 4c6a 9764 68b364896ca4 Detafour

– يسعى الكتاب إلى تقديم رؤية أكثر شمولية تأخذ في الاعتبار العوامل النفسية والاجتماعية التي تؤثر على سلوك الأفراد، مما يمكن صنّاع القرار من اتخاذ سياسات اقتصادية أكثر فعالية واستدامة.

– ويؤكد شوتانوس أن فشل النظريات الاقتصادية التقليدية يعود إلى تجاهلها لدور الوعي والعامل البشري في الأسواق، فهو يرى أن الأسواق ليست مجرد آليات ميكانيكية، بل “كيانات واعية” تشبه الدماغ البشري.

– وهو يشبه الأسواق بأدمغة عملاقة، تتفاعل وتتطور وتتأثر بالعواطف والأحاسيس، وفي أوقات الأزمات تفقد الأسواق قدرتها على التفاعل، تمامًا كما يغرق الدماغ البشري في سبات عميق.

– قد يبدو هذا التصور غريبًا، لكنه يمثل تيارًا متصاعدًا في الفكر المعاصر، بعد أن أصبحت فكرة أن الوعي لا يقتصر على الدماغ البشري، بل يتشابك مع كل شيء من الحيوانات إلى الذرات، وصولًا إلى الكون ذاته، فكرة مستساغة ولم تعد حكرًا على الخيال العلمي.

– يتجاوز شوتانوس هذه الفكرة، ليقترح فكرة أكثر جذرية تتلخص في أن الأسواق نفسها يمكن اعتبارها كيانات واعية.

– هذا الرأي، وإن كان جديدًا على البعض، إلا أنه مبني على فكرة قديمة في الاقتصاد مفادها أن الأسواق هي أنظمة معقدة ذاتية التنظيم.

– ويؤكد شوتانوس على أهمية الفرد في تشكّيل هذه الأنظمة المعقدة، مشددًا على دور الأفكار والمعتقدات في توجيه سلوك الأفراد وبالتالي حركة الأسواق.

– وبذلك، يقدم لنا رؤية شاملة للأسواق، تجمع بين العلوم الطبيعية والاجتماعية، لتظهر لنا كيف أن العقل البشري يمكن أن يشكّل العالم من حوله.

– رغم الثناء الحار الذي حظي به الكتاب من شخصيات بارزة، إلا أن هناك صعوبة بالغة في استيعاب أفكار الكتاب، وقد يستغرق الأمر منك وقتًا طويلًا لفهم الحجة الرئيسية، وتشعر برغبة دائمة في الاختلاف مع الكثير من الجمل والأفكار المطروحة.

– وربما كان هناك تفسيرات مقنعة لهذه النقاط الخلافية، ولكن أسلوب الكاتب لم يساهم في تسهيل عملية الفهم بل زادها تعقيدًا.

– فيما يلي مثال على هذه الصعوبة: ترى نظريات “الاستثمار الكوني” الكون بأسره على أنه محفظة استثمارية عملاقة. تمامًا كما تتكون المحافظ الاستثمارية التقليدية من مجموعة متنوعة من الأصول، فإن هذه المحفظة الكونية تشمل كل ما هو موجود، وإن كان هذا التنوع هائلًا يصعب إحصاؤه.

– قد يجد عشاق الفلسفة الميتافيزيقية هذه الأفكار مثيرة للاهتمام، إلا أن الواقعيين قد يرونها مجرد تكهنات لا أساس لها من الصحة وتشتيت للانتباه عن القضايا الأساسية.

– بيد أن هذه الحجج القياسية قد تشكل عائقًا أمام التقدم البحثي أحيانًا، رغم قوة إقناعها وشيوع استخدامها في المجالات العلمية.

– إذ أن تشبيه العقول بالأسواق، والعكس، يبدو مبالغًا فيه وغير دقيق، فكلا المجالين، على الرغم من تعقيدهما، يظلان مختلفين في جوهرهما.

– في ختام هذه القراءة النقدية لكتاب باتريك شوتانوس، يظهر لنا أن العمل يمثل محاولة جريئة لإعادة تعريف العلاقة بين الاقتصاد والعقل البشري.

– ففي حين يقدم المؤلف أفكارًا ثورية حول تشبيه الأسواق بالعقل الواعي، يظل التساؤل حول مدى دقة هذا التشبيه قائمًا.

– ورغم ثراء الكتاب بالأفكار المعقدة والروابط بين فلسفة العقل والاقتصاد، إلا أن الكثير من القراء قد يجدون أنفسهم أمام تحدٍ في فهم هذه الأفكار واستيعابها.

– ومع ذلك، يظل الكتاب إضافة هامة للنقاش الدائر حول دور الوعي في الاقتصاد، مع فتح الباب أمام المزيد من الأبحاث والحوارات المستقبلية حول هذه الفرضيات الجريئة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى