اللعب المالي النظيف: مسعى لتحقيق التوازن الاقتصادي في عالم كرة القدم
في إطار السعي إلى تحقيق التوازن المالي بين أندية كرة القدم العالمية، وتفادي هيمنة الأندية ذات الإمكانات المالية الهائلة، أطلق كل من الدوري الإنجليزي الممتاز والاتحاد الأوروبي لكرة القدم مبادرة اللعب المالي النظيف خلال العقد الماضي.
– وتهدف هذه المبادرة إلى ضمان استدامة الأندية ومنع الممارسات المالية غير المشروعة، ولكن ما هي الضوابط التي تفرضها هذه المبادرة، وكيف تتجاوزها أكبر الأندية الأوروبية؟ وما المقصود باللعب المالي النظيف؟
– يشير مفهوم اللعب المالي النظيف إلى مجموعة من الضوابط والقوانين التي وضعتها الاتحادات الرياضية، ولا سيّما اتحادات كرة القدم، بهدف ضمان استدامة الأندية المالية.
– وترمي هذه القواعد إلى تحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات، وتحديد سقف للإنفاق، وتنظيم عمليات نقل الملكية، والحد من المعاملات المالية المعقدة التي قد تضر بسلامة المنافسة.
– تختلف تفاصيل تطبيق هذه القواعد من اتحاد إلى آخر، إلا أنها تتفق جميعًا على ضرورة منع الأندية من الإنفاق بأساليب غير مستدامة، والتي قد تؤدي إلى أزمات مالية تهدد استقرار اللعبة.
– عند مخالفة الأندية لهذه القواعد، فإنها تتعرض لعقوبات متنوعة، قد تشمل غرامات مالية، وفرض حظر على تسجيل اللاعبين الجدد، وخصم نقاط، أو حتى استبعاد من المسابقات.
متى ظهر مفهوم اللعب المالي النظيف؟
– أُرسي مفهوم اللعب المالي النظيف على يد الاتحاد الأوروبي لكرة القدم في عام 2009، ليدخل حيز التنفيذ في مطلع موسم 2011-2012.
– واستند هذا المفهوم إلى مبدأ أساسي يتمثل في حصر إنفاق الأندية ضمن حدود إيراداتها، وذلك بغرض تفادي الأزمات المالية التي قد تهدد استمراريتها.
– يُذكر أن إحدى الدراسات التي أجراها الاتحاد في عام 2009 قد كشفت عن خسائر مالية طالت أكثر من نصف الأندية الأوروبية البالغ عددها 665 ناديًا خلال العام السابق، مما أشار إلى أن نحو 20% منها تواجه خطرًا ماليًا حقيقيًا.
– دفعت هذه المعطيات الهيئة الحاكمة إلى اتخاذ إجراءات استباقية، وتهدف اللوائح المنظمة لهذا المفهوم إلى منع الأندية من المبالغة في الإنفاق على مدار عدة مواسم، وذلك من خلال فرض سقف معين للميزانيات.
قواعد اللعب المالي النظيف للاتحاد الأوروبي لكرة القدم
– شهدت قواعد اللعب المالي النظيف في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم تطورات متلاحقة على مر السنين، وبلغت ذروتها بإطلاق مفهوم “الاستدامة المالية” الجديد في يوليو 2020.
– ويُعتبر هذا النظام -وفقًا للموقع الرسمي للاتحاد- أحد أبرز المبادرات المالية الطموحة التي تم تنفيذها على مستوى الاتحاد، حيث يسعى إلى ضمان استقرار الأندية المالية وتعزيز شفافيتها.
– يُطبق هذا النظام من خلال مراقبة صارمة للأندية المشاركة في المسابقات القارية، إذ يُلزمها بالالتزام بإطار عمل محدد يهدف إلى تحقيق الاستدامة المالية، ويتطلب ذلك من الأندية التعاون الكامل والكشف عن وضعها المالي بدقة وشفافية.
– يرتكز النظام على ثلاثة محاور رئيسية: الملاءة المالية، والاستقرار، والتحكم في التكاليف، ويهدف إلى ضمان استدامة الأندية المشاركة في دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي ودوري المؤتمر الأوروبي على المدى الطويل، وتخضع الأندية لمراقبة مستمرة طوال الموسم الكروي للتأكد من التزامها بهذا النظام.
قواعد اللعب المالي النظيف في الدوري الإنجليزي الممتاز
– عُرفت قواعد اللعب المالي النظيف في الدوري الإنجليزي الممتاز باسم قواعد “الربح والاستدامة”، وتحدد هذه القواعد سقفاً للخسائر المالية التي يمكن أن تتكبّدها الأندية خلال ثلاث سنوات متتالية، حيث لا يجوز أن تتجاوز هذه الخسائر 105 ملايين جنيه إسترليني.
– تفرض القواعد قيوداً إضافية، فبالإضافة إلى السقف الإجمالي للخسائر، لا يُسمح للأندية بخسارة أكثر من 15 مليون جنيه إسترليني من أموال مالكيها خلال هذه الفترة.
– بعبارة أخرى، يجب أن تغطي الإيرادات الناتجة عن حقوق البث التلفزيوني وبيع اللاعبين والتذاكر وغيرها من المصادر معظم النفقات، مثل أجور اللاعبين ورسوم الانتقالات.
– لضمان الالتزام بهذه القواعد، يتعين على مالكي الأندية تقديم ضمانات مالية كافية لتغطية أي فجوة بين الإيرادات والنفقات، وتُعرف هذه الضمانات بـ “التمويل الآمن”.
– كما يُطلب من الأندية إعداد خطط مالية تفصيلية للموسمين المقبلين توضح كيفية تحقيق التوازن المالي وتجنب الوقوع في عجز مالي.
– تشمل القواعد المالية للدوري الإنجليزي الممتاز مجموعة واسعة من المتطلبات، منها الالتزام بدفع المستحقات المالية في مواعيدها، مثل رواتب اللاعبين ورسوم الانتقالات والضرائب.
– كما يتعين على الأندية تقديم تقارير مالية سنوية تفصيلية، بما في ذلك الإفصاح عن المدفوعات التي تم دفعها للوكلاء.
ما هي الأندية التي خالفت قواعد اللعب المالي النظيف منذ تنفيذها؟
– لا شك أن نادي مانشستر سيتي هو أبرز الأمثلة على الأندية الكبرى التي واجهت اتهامات بخرق قواعد اللعب المالي النظيف.
– فقد كشف تحقيق استمر أربع سنوات أجراه الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم عن أكثر من مائة مخالفة مزعومة ارتكبها النادي حامل لقب الثلاثية في موسم 2022-2023.
– ويمثل نادي سيتي أمام المحكمة الرياضية لمواجهة هذه الاتهامات الخطيرة.
– وفي سياق مماثل، تعرّض نادي مانشستر سيتي ونادي باريس سان جيرمان لعقوبات من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم في عام 2014 بسبب انتهاكات لقواعد اللعب المالي النظيف.
– وشملت هذه الانتهاكات تجاوز الإيرادات عن النفقات بشكل كبير، مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى فرض غرامات مالية كبيرة على كلا الناديين، بالإضافة إلى عقوبات رياضية شملت تقليص حجم تشكيلتيهما في المسابقات الأوروبية وفرض قيود على الإنفاق على الانتقالات والرواتب.
– ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ففي عام 2022، واجه العديد من الأندية الأوروبية الكبرى، من بينها باريس سان جيرمان وإنتر ميلان ويوفنتوس وروما، عقوبات مالية بسبب عدم التزامها بمتطلبات التوازن المالي التي يفرضها الاتحاد الأوروبي.
– وفي الدوري الإنجليزي الممتاز للموسم الحالي، شهدنا أيضاً حالات عدة لأندية خالفت لوائح الاستدامة المالية، مما أدى إلى خصم نقاط منها كعقوبة على هذه المخالفات.
نادي إيفرتون
– في نوفمبر من العام الماضي، أصدرت إدارة الدوري الإنجليزي الممتاز قرارًا بتقليص رصيد نادي إيفرتون بعشر نقاط عقابًا على مخالفات مالية وقعت في موسم 2021-2022، وذلك حسب لوائح اللعب المالي.
– أدى هذا القرار المفاجئ إلى تراجع الفريق من المركز الرابع عشر إلى التاسع عشر على جدول الترتيب، مما أثار استياء إدارة النادي وجماهيره.
– وقدمت إدارة إيفرتون طعنًا على هذا القرار، معربة عن ثقتها في إلغائه، وبالفعل تمكنت من تخفيض العقوبة إلى ست نقاط في فبراير الماضي، مما منح الفريق بارقة أمل في البقاء ضمن فرق الدوري الممتاز، ليصبح إيفرتون بذلك النادي الثالث في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز الذي يتعرض لعقوبة خصم نقاط بعد ميدلسبره وبورتسموث.