أزمة الاستثمار الأجنبي بالمغرب: هل تتطلب إعادة النظر في السياسات؟
تواجه تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى المغرب أزمة حادة، حيث تراجعت بشكل ملحوظ على مدى العامين الماضيين.
بعد أن حققت مستويات قياسية في عام 2022، هبطت التدفقات إلى أدنى مستوى لها منذ سنوات في عام 2023، لتصل إلى 1.09 مليار دولار أمريكي، مقارنةً بأكثر من 2 مليار دولار أمريكي في العام السابق.
هذا الانخفاض الكبير، الذي يتجاوز مليار دولار، يعكس التحديات الاقتصادية والسياسية المتزايدة التي تواجه المملكة ويؤثر سلباً على جاذبية بيئة الاستثمار في المغرب.
و في ظل هذه الأوضاع، يبرز الإجماع بين الخبراء على ضرورة إعادة تقييم السياسات الاقتصادية الحالية وتطبيق إصلاحات جوهرية لزيادة الثقة لدى المستثمرين الأجانب وجذب الاستثمارات التي يحتاجها الاقتصاد الوطني لتعزيز النمو وخلق فرص العمل.
تتعدد أسباب هذا التراجع، وتتمثل في عوامل خارجية أبرزها الأزمة الاقتصادية العالمية التي ضربت الأسواق في العام الماضي، بالإضافة إلى اضطرابات سلاسل التوريد وارتفاع معدلات التضخم التي أثرت على الطلب العالمي في العديد من القطاعات.
المغرب، الذي يعتمد بشكل كبير على التصدير، لم يكن بمنأى عن هذه التداعيات، مما قلل من جاذبية السوق المغربية للمستثمرين الأجانب. علاوة على ذلك، فإن رفع أسعار الفائدة من قبل البنوك المغربية قد زاد من تكلفة الاستثمار المحلي، مما أثر بشكل مباشر على قرارات المستثمرين، بما في ذلك أولئك الذين كانوا يخططون لتوسيع استثماراتهم.
من ناحية أخرى، يُعتبر الميثاق الجديد للاستثمار، الذي أقرته الحكومة المغربية، فرصة هامة لدفع عجلة الاستثمارات، لاسيما في المجالات الحيوية مثل الطاقات المتجددة والصناعات الدفاعية.
ومع ذلك، فإن بطء تنفيذ الميثاق وضعف استراتيجيات التسويق خلال العامين الماضيين قد أضاع بعض الفرص القيمة.
كما يشدد الخبراء على أهمية تنويع شركاء المغرب الاقتصاديين. فبينما تظل فرنسا وإسبانيا من الشركاء الرئيسيين، فإن الاعتماد عليهما فقط يجعل الاقتصاد المغربي عرضة لتقلبات اقتصادات أوروبا.
وفي ظل الأزمات الاقتصادية الحالية في القارة، يصبح من الضروري الانفتاح على أسواق جديدة مثل الصين والولايات المتحدة، حيث تسعى الصين بشكل خاص لتوسيع استثماراتها في إفريقيا.
ووفقاً لتقرير مكتب الصرف، بلغ صافي تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المغرب 11.1 مليار درهم في عام 2023، مقارنة بـ 23 مليار درهم في عام 2022، ما يعكس انخفاضاً بنسبة 51.7%.
ويعزى هذا التراجع إلى زيادة النفقات إلى 23.5 مليار درهم في عام 2023، مقارنة بـ 17.3 مليار درهم في عام 2022، وانخفاض الإيرادات إلى 34.6 مليار درهم في عام 2023، من 40.3 مليار درهم في عام 2022.
كما أشار التقرير إلى انخفاض صافي تدفق أدوات الدين بنسبة 70.6%، وصافي التدفق في سندات الدين بنسبة 48.9%. وعلى الرغم من استقرار الأرباح المعاد استثمارها عند 2.5 مليار درهم، فإن الاستثمارات المباشرة شهدت تراجعاً في رصيدها المدين.
في نهاية عام 2023، بلغ الوضع الصافي المدين للمغرب في مجال الاستثمارات المباشرة 598.5 مليار درهم، ليبقى البند المدين الرئيسي في وضع الاستثمار الدولي، نظراً لأهمية الاستثمارات الأجنبية بالمغرب مقارنة بالاستثمارات المغربية الجارية في الخارج.