الاقتصاد غير المنظم: قنبلة موقوتة تهدد الاستقرار الاجتماعي المغربي
أجرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) دراسة اقتصادية رائدة تتناول التحديات التي تواجه سوق العمل في المغرب، وذلك في إطار تمديد برنامجها القُطري الثاني عبر “بروتوكول جديد” وُقّع مؤخراً.
وقد أبرزت الدراسة مجموعة من النقائص الرئيسية، مشيرة إلى “المخاطر المرتبطة بتغيرات المناخ وتفاقم أزمة المياه”.
ورغم إشادة خبراء المنظمة بـ”استقرار ومرونة الاقتصاد المغربي”، و”تعافي النمو من آثار الجائحة وأزمة الطاقة”، والتي أدت إلى تقليص عجز الميزانية، فإن الدراسة أكدت وجود مشاكل كبيرة، أبرزها “الارتفاع الملحوظ في معدل بطالة الشباب” و”الانخفاض المستمر في نسبة الإناث النشيطات في سوق العمل”.
وأوضحت المنظمة في فصل خاص بعنوان “خلق وظائف أفضل وأكثر”، أن “الشباب في المغرب يمثلون أحد الأصول الثمينة”، إلا أن سوق العمل يعاني من “ارتفاع معدل بطالة الشباب وندرة العمالة النسائية”.
كما أشارت الدراسة إلى “تزايد تدفقات الهجرة” من هذه الفئة العمرية.
و لفتت الدراسة الانتباه إلى حقيقة “صادمة” لكنها معروفة بين الخبراء، وهي أن “القطاع غير المهيكل” ما يزال من أهم “محركات التشغيل” في المغرب.
وقد أكدت الدراسة أن “انتشار هذا القطاع يتسبب في انخفاض الأجور وتدني جودة الوظائف وضعف المهارات”، حيث يشكل الاقتصاد غير الرسمي ما يقرب من ثلثي الوظائف في المملكة.
وأشارت الدراسة إلى أن “الزراعة والأنشطة الفلاحية” تحتل الصدارة في القطاعات التي يهيمن عليها العمل غير المهيكل، حيث تعمل حوالي 82% من النساء و46% من الرجال في هذا القطاع. كما يعاني قطاعات أخرى مثل البناء والتجارة والخدمات من نفس المشكلة.
و نظرًا لحجم تأثير “الاقتصاد غير الرسمي”، فإن عواقبه تمتد إلى “إيرادات الضرائب والنمو الإجمالي والتنافسية في القطاع الرسمي”.
وقد أوصت المنظمة بضرورة أن تتبنى السلطات المغربية “استراتيجية شاملة” لمكافحة انتشار الأنشطة غير المهيكلة.
تقترح الدراسة تقديم حوافز مثل “تخفيف الضرائب واشتراكات الضمان الاجتماعي للشركات الصغيرة التي تتحول إلى الاقتصاد الرسمي”، إلى جانب تعزيز الرقابة والعقوبات الرادعة.
كما دعت الدراسة إلى “تطبيق الحلول الرقمية، مثل الدفع الإلكتروني والفواتير عبر الإنترنت، لتقليل تكاليف الامتثال”، مشددة على أهمية “تحسين فرص الحصول على القروض ودعم ريادة الأعمال”.
وفقًا لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن “أداء سوق العمل في المغرب ما زال دون المستوى المطلوب خلال فترة الانتعاش”.
حيث بقي معدل مشاركة الإناث منخفضاً عند 19% في عام 2023، وبلغ معدل البطالة 13%، وهو أعلى مستوى له في العقدين الأخيرين.
كذلك، سجل معدل بطالة الشباب (بين 15 و24 عامًا) أعلى مستوى له على الإطلاق عند 35.8%.
ورأت المنظمة أن “الجهود المبذولة لدمج الشباب في القوى العاملة أصبحت أكثر إلحاحاً”، وهنأت المغرب على تعافيه من الأزمات السابقة، رغم التحديات مثل زلزال الأطلس الكبير 2023 والجفاف المتكرر.
و أكدت المنظمة أن “النمو الاقتصادي في المغرب قد تعافى من تأثيرات الجائحة وأزمة الطاقة”، وسجلت تحسناً في “استقرار النظام الاقتصادي” وتقليص عجز الميزانية، حيث بلغ الدين الحكومي حوالي 70% من الناتج المحلي الإجمالي.
ورصد التقرير “إصلاحات كبيرة” تهدف إلى تشجيع الاستثمار وتوسيع التأمين الصحي، لكنه أشار إلى أن “الفجوة في إنتاجية العمل مع دول الجوار ما تزال قائمة”.
كما أفاد الخبراء أن “المغرب قطع التزاماً طموحاً بخفض انبعاثات الكربون بنسبة 45% بحلول عام 2030 مقارنة بعام 2010، والسعي للوصول إلى الصفر بحلول عام 2050″، مستفيداً من إمكانات الطاقة المتجددة.