قانون جديد قد يفسد متعة شرب القهوة للأوروبيين
تستهلك القارة الأوروبية نحو ثلث إنتاج العالم من حبوب القهوة، وهو ما يعكس شغف الأوروبيين بهذا المشروب الذي يعتقد الكثيرون أنه يمنحهم النشاط والتركيز عند تناوله في الصباح.
لكن يبدو أن مزاج قاطني القارة العجوز مهدد، إذ إن تطبيق قانون “إزالة الغابات” يلوح في الآفاق، ما دفع تجار القهوة إلى شحن مزيد من حبوب البن إليها قبل تطبيقه المقرر نهاية العام الحالي.
أصدرت المفوضية الأوروبية لائحة قانون يعمل على مواجهة ظاهرة “إزالة الغابات”، وهو ما مثل تغييراً جذرياً في جهود القارة العجوز للحفاظ على الغابات الموجودة في ظل تصاعد ظاهرة التغيّر المناخي من خلال اشتراط أن تكون السلع المعروضة في سوق الاتحاد الأوروبي أو المصدرة منها لا تسهم في إزالة تلك الغابات.
وتعتبر إزالة الغابات ثاني أكبر مصدر لانبعاثات الكربون بعد الوقود الأحفوري، إذ احتلت أوروبا المرتبة الثانية بعد الصين في إزالة الغابات الناجمة عن وارداتها في عام 2017، وفقاً لتقرير صندوق الحياة البرية العالمي لعام 2021.
وأدى هذا لسعي القارة العجوزة لإصدار هذه اللائحة ضمن جهود أكبر تعرف باسم “الصفقة الخضراء” (جرين ديل) للاتحاد الأوروبي، وهي استراتيجية أوسع نطاقاً تستهدف حماية غابات العالم.
وفي 17 نوفمبر 2021 تقدمت المفوضية الأوروبية بالاقتراح الخاص بلائحة قانون “إزالة الغابات” إلى البرلمان الأوروبي قبيل إقراره بعد مناقشات مطولة استمرت لأكثر من عام.
وتوفر لائحة هذا القانون فرصاً للدول المنتجة لنحو 12 سلعة تستوردها دول الاتحاد الأوروبي، لتعزيز أولوياتها البيئية والتنمية المستدامة ووضع نفسها في وضع يوافق هذا القانون لتجارة السلع التي يشملها.
وتفرض أيضاً أن السلع المعروضة على سوق الاتحاد الأوروبي أو المصدرة منها لا تأتي من الأراضي التي أزيلت غاباتها أو تدهورت بعد 31 ديسمبر 2020، وتشمل تلك السلع الماشية والكاكاو والقهوة وزيت النخيل وفول الصويا والأخشاب والمطاط، وكذلك المنتجات المشتقة مثل لحم البقر والأثاث والشوكولاتة.
بالإضافة إلى ذلك، يفرض على الشركات اتخاذ الإجراءات الواجبة لضمان امتثال إنتاج السلع المعروضة في سوق الاتحاد الأوروبي للقوانين المتعلقة بهذا الصدد.
ووفقاً للائحة القانون التي دخلت حيز التنفيذ في 29 يونيو 2023، فإنه لدى المشغلين والتجار 18 شهراً لتطبيق القواعد الجديدة، أي سيتعين على الشركات الكبرى بدءاً من 30 ديسمبر المقبل تقديم أدلة تثبت أن منتجاتها من تلك السلع لم تأتِ من أرض تم قطع الغابات فيها منذ عام 2020، فيما ستُمنح الشركات الأصغر مهلة أطول حتى يوليو 2025 للقيام بذلك.
ومع قرب تطبيق القانون، زاد تدفق شحنات القهوة إلى الاتحاد الأوروبي مع سعي التجار لتخزين أكبر كمية من الحبوب قبل تطبيق تلك القواعد البيئية الجديدة.
ومع افتقار الوضوح بشأن تفاصيل لائحة القانون، فإن العديد من الشركات العاملة في القطاعات المرتبطة به غير مستعدة بشكل كافٍ، ما يجعل فرص حدوث اضطرابات في الإمدادات بشأن السلع التي يشملها أمراً لا مفر منه.
ويعتمد محصول القهوة إلى حد كبير على ملايين المزارعين الصغار في مساحة واسعة من العالم، هؤلاء المزارعون عرضة بشكل خاص لتحديات ضمان أن كل حبة يزرعونها تتماشى مع لائحة قانون، لذلك سارع التجار لشحن أكبر قدر ممكن إلى أوروبا قبل نهاية ديسمبر المقبل.
وقفزت الصادرات من أكبر منتج للقهوة وهي البرازيل إلى دول الاتحاد الأوروبي بنحو 65% في الأشهر السبعة المنتهية في يوليو مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وشهدت أوغندا -التي أصبحت بالغة الأهمية لإمدادات روبوستا في أوروبا بعد النقص الهائل في فيتنام أكبر منتج- ارتفاع صادراتها إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق في الشهر الماضي، حيث توجه الجزء الأكبر منها إلى القارة.
وقال تيد مارلي، تاجر القهوة في أوغندا: “هذا المحصول هو في الواقع آخر محصول يمكننا تصديره قبل تطبيق قانون إزالة الغابات”.
وأوضح أن محصول روبوستا التالي سيكون في أكتوبر المقبل، ونظراً لكون إبحار حبوب القهوة يستغرق في المتوسط نحو 70 يوماً، فإن هذا يعني أن كل حبوب القهوة تقريباً بدءاً من المحصول التالي يجب أن تتوافق مع متطلبات القانون.
وتسعى المحامص الأوروبية لتغطية أي عجز محتمل للربع الأول من عام 2025، بحسب “ريكاردو دوس سانتوس”، المدير الإداري لمورد القهوة الأوروبي “ريكوفي”.
وأضاف أن قِلة من التجار على استعداد للمخاطرة بشحن الحبوب بعد شهر أكتوبر المقبل وسط مخاوف من مصير نقل الحبوب غير المعتمدة.
وبلغ الاستهلاك المحلي للاتحاد الأوروبي نحو 42 مليون كيس (الكيس يزن 60 كيلوجراماً) من حبوب القهوة خلال الموسم 2023/2024 مقابل 27.3 مليون كيس في الولايات المتحدة بحسب بيانات وزارة الزراعة الأمريكية.
وتهيمن حبوب البن الخضراء غير المحمصة على واردات الاتحاد الأوروبي، التي تمثل نحو 90% من التجارة.
واردات الاتحاد الأوروبي من القهوة خلال آخر 5 سنوات |
|
الأعوام |
الكمية (مليون كيس) |
2019/2020 |
44.46 |
2020/2021 |
43.87 |
2021/2022 |
46.6 |
2022/2023 |
44.47 |
2023/2024 |
47.5 |
ارتفاع الأسعار صداع آخر
يأتي كل هذا في الوقت الذي يواجه فيه التجار أسعاراً أعلى، إذ ارتفعت حبوب روبوستا المستخدمة في القهوة الفورية خلال العام الجاري إلى أعلى مستوى لها منذ سبعينيات القرن الماضي.
وارتفعت حبوب أرابيكا عالية الجودة بأكثر من 30% هذا العام، في حين يضيف ارتفاع تكلفة الاقتراض ونقص الحاويات وطول فترات العبور مزيداً من التحديات أمام صناعة القهوة.
ويشتكي “هولجر بريبيش”، الرئيس التنفيذي لجمعية القهوة الألمانية، من أن التجار ليست لديهم القدرة ولا المال أيضاً لتكديس مخزونات احتياطية لمدة 12 شهراً في أوروبا.
وبينما يحاول التجار شحن أكبر قدر ممكن قبل القواعد الجديدة في الاتحاد الأوروبي، لا يزال الطريق إلى الأمام غير مؤكد، حيث لم تنشر المفوضية الأوروبية جميع تفاصيل التنفيذ، وفقاً “لبريبيش”، مضيفاً أن هذا يعني حجماً أقل من الاستيراد، مما قد يؤدي إلى مزيد من ارتفاع أسعار القهوة داخل القارة، كما أن بعض الدول المنتجة أقل استعداداً من غيرها.
وقال “جوب كانكيريو”، سمسار القهوة الذي يعمل في شركة “واكاندا كوفي بروكيريدج سيرفيسز”: “أوغندا متأخرة حقاً في ما يتعلق بالامتثال لقواعد الاتحاد الأوروبي للحد من التلوث”.
وأوضح أن عدداً كبيراً من المصدرين ليست لديهم برامج استدامة تلبي قواعد الاتحاد الأوروبي.
استهلاك القهوة في أوروبا
ووفقاً لـ”أطلس العالم” (ورلد أطلس) فإن هناك تسع دول أوروبية في قائمة أكثر 10 دول استهلاكاً للقهوة في العالم.
أعلى الدول استهلاكاً للقهوة في العالم |
||
الترتيب |
الدولة |
متوسط استهلاك الفرد (بالكيلو) |
1 |
فنلندا |
12 |
2 |
النرويج |
9.9 |
3 |
إيسلندا |
9.0 |
4 |
الدنمارك |
8.7 |
5 |
هولندا |
8.4 |
ومن المتوقع أن يصل حجم سوق القهوة الأوروبية إلى 47.88 مليار دولار في عام 2024، ثم إلى 58.14 مليار دولار بحلول عام 2029، بمعدل نمو قدره 3.96% خلال الفترة من 2024 إلى 2029.
وبحسب اتحاد القهوة الأوروبي، فإن أوروبا تمثل نحو 33% من إجمالي استهلاك القهوة في جميع أنحاء العالم، ما يجعلها سوقاً مهمة وجذابة.
كما يتمتع الاتحاد الأوروبي بأعلى استهلاك للفرد من القهوة في العالم، على الرغم من أن استهلاكه يختلف من دولة إلى أخرى.