موجة الغلاء في الأسواق المغربية: هل يكفي تدخل مجلس المنافسة؟
تعاني الأسواق المغربية منذ فترة من موجة غلاء غير مسبوقة تؤثر على أسعار السلع والخدمات الأساسية، مما ينعكس سلباً على القدرة الشرائية للمواطنين ويزيد من معاناتهم اليومية.
وتدور نقاشات واسعة حول أسباب هذا الارتفاع، حيث تُعزى بعض الزيادات إلى قوى العرض والطلب وآليات السوق، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه التفسيرات كافية في ظل الظروف الحالية، وما إذا كانت هناك حلول عملية يمكن للجهات المسؤولة تبنيها لتخفيف حدة الأزمة.
في ظل هذه الظروف، يبرز دور مجلس المنافسة كجهة مسؤولة عن ضمان المنافسة العادلة في الأسواق.
كما يُعد المجلس من الركائز الأساسية للاقتصاد الحر، حيث يسهم في تحسين جودة المنتجات والخدمات وخفض الأسعار من خلال تعزيز المنافسة الشريفة.
لكن يبقى السؤال حول مدى قدرة المجلس على الوفاء بدوره بشكل فعال لمواجهة التحديات الاقتصادية الحالية.
يؤكد المحلل الاقتصادي ياسين أعليا أن السوق المغربية تخضع لمنطق العرض والطلب، حيث تقنن الدولة أسعار منتجين رئيسيين فقط، هما الغاز والسكر، بينما تظل بقية السلع خاضعة لحرية التسعير.
وأضاف أن دور مجلس المنافسة لا يشمل تحديد الأسعار، بل يقتصر على مراقبة السوق ومعاقبة المخالفين الذين يتلاعبون بالأسعار أو يقسمون السوق جغرافياً، كما حدث في سوق المحروقات.
وأشار أعليا إلى أن مسؤولية مراقبة السوق لا تقع على عاتق مجلس المنافسة وحده، بل تشمل أيضاً جهات رقابية أخرى. وغالباً ما تحدث المضاربات خارج إطار التسويق الأساسي، مثلما يحدث في قطاعات الخضر والدواجن، مما يؤدي إلى زيادة التكاليف وارتفاع الأسعار.
وحمل أعليا وزارة الداخلية مسؤولية نقص التنظيم في الأسواق الداخلية، كونها المسؤولة عن أسواق الجملة. وأوضح أن جزءاً كبيراً من البيع والشراء يتم خارج الإطار القانوني، حيث يُباع نحو 60٪ من المنتجات عبر الأسواق الرسمية، بينما يُباع الباقي في السوق السوداء، مما يسهم في رفع الأسعار.
وأكد أن تأثير المضاربات يظهر بشكل ملحوظ عند قلة العرض، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، خاصة عندما يقوم المضاربون بتخزين المنتجات واحتكارها لرفع الأسعار عند حدوث نقص في السوق.
ورغم جهود مجلس المنافسة في الكشف عن الممارسات غير القانونية، أوضح أعليا أن المجلس يفتقر إلى الصلاحيات الكافية لفرض العقوبات على الشركات المخالفة، خاصة في القطاع غير المهيكل الذي يظل خارج نطاق سيطرة المجلس.
وطالب بإدماج هذا القطاع في الإطار القانوني المنظم لضمان توافر العمليات الاقتصادية ضمن هذا الإطار. وشدد على ضرورة منح المجلس استقلالية كاملة في اتخاذ القرارات وفرض العقوبات على الشركات المتلاعبة.
من جهة أخرى، أكد المحلل الاقتصادي بدر زاهر الأزرق أن مجلس المنافسة يقوم بدوره من خلال مراقبة السوق من جوانب متعددة، حيث يهدف إلى التحقق من وجود أي تواطؤ بين الموزعين والمنتجين أو مضاربات مشبوهة ترفع الأسعار بشكل غير قانوني.
وأوضح أن تحرير الأسعار هو الأساس في المشهد الاقتصادي المغربي، حيث يُعتبر العرض والطلب المحرك الرئيسي للأسعار، ولكن هناك ممارسات تتطلب تدخل المجلس لضمان ممارسات شريفة وحرة وفقاً للقانون.
وفي الختام، شدد الأزرق على أهمية تنفيذ إصلاحات حقيقية في أسواق الجملة، واعتبر تقليص سلاسل المضاربات أمراً حيوياً لضمان وجود أسعار معقولة تعكس الواقع الاقتصادي بشكل أفضل.