هل تنبأ الذكاء الاصطناعي بالهبوط الحالي لأسواق المال؟
هزّة عنيفة مفاجئة ضربت أسواق المال حول العالم على مدار الأيام القليلة الماضية، وتسببت في خسائر ضخمة للمستثمرين في الأسهم.
تلك الخسائر جاءت بعد مكاسب قوية حققتها البورصات حول العالم منذ بداية العام الحالي، ففي وول ستريت على سبيل المثال حقق مؤشر ستاندرد آند بورز 500 الواسع النطاق في وول ستريت ارتفاعاً بنحو 15% في النصف الأول من 2024.
وبفضل دعم الشركات العاملة في الذكاء الاصطناعي وأسهم قطاع التكنولوجيا، استطاع مؤشر ناسداك هو الآخر أن يقفز بأكثر من 18% خلال الفترة نفسها، ولكن هل تمكن الذكاء الاصطناعي من التنبؤ بهذه الهزة العنيفة التي شهدتها أسواق المال؟
قدرات الذكاء الاصطناعي
قد يكون للذكاء الاصطناعي، من خلال فحص مجموعات البيانات الضخمة، القدرة على التنبؤ بالأزمات المالية قبل حدوثها واتخاذ إجراءات استباقية للتخفيف منها أو حتى تجنبها، ويحدث هذا لأن الابتكارات في مجال التعلم الآلي حسنت بشكل كبير قدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل البيانات المالية.
واليوم، تستطيع الخوارزميات المتقدمة تحديد العوامل المعقدة في تحركات الأسواق والتي قد تغيب عن الأساليب التقليدية وتؤثر على اتجاهات الأسواق، ما يوفر تحذيرات مبكرة من الضائقة الاقتصادية والمالية من خلال الاستفادة من الخوارزميات التنبؤية.
كما تقدم أدوات الذكاء الاصطناعي اقتراحات حيوية من شأنها دعم التدابير الاستباقية للحفاظ على الاستقرار المالي، فمثلاً يمكن للتحليلات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي تنبيه أصحاب المصلحة إلى المخاطر الناشئة، ما يسمح بالتدخلات في الوقت المناسب التي تحمي الاقتصادات من الانحدارات الشديدة.
ومع ذلك لا نستطيع أن نجد تحذيراً واضحاً قد صدر من الذكاء الاصطناعي بشأن أزمة الأسواق الحالية، وهو ما يثير التساؤلات لماذا لم يتمكن الذكاء الاصطناعي من التنبؤ بتلك الأزمة رغم التطور الكبير الذي حدث في هذا القطاع، واعتماد بعض المتداولين في البورصة على المعطيات الصادرة من الذكاء الاصطناعي في تحديد اتجاهات الشراء والبيع.
يسلط البحث الذي أجرته جامعة ليختنشتاين الضوء على إمكانات الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالأزمات المالية، من خلال إعادة تعريف ما يشكل أزمة مالية واستخدام خوارزميات التعلم الآلي لتحسين دقة توقعات الأزمة.
وتشير النتائج الأولية لهذا البحث إلى أن هناك آمالاً واعدة بأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعزز بشكل كبير من اكتشاف وتوقع الانحدارات المالية.
ويُظهر هذا البحث الفوائد الواضحة لتحديد الأزمات المالية والتنبؤ بها بدقة حيث طور باحثو جامعة ليختنشتاين طريقة للكشف عن الأزمات المصرفية، والتنبؤ بها باستخدام البيانات، والمساعدة بشكل أكثر فعالية في توجيه قرارات السوق.
تلك الأبحاث تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي لا يزال في مراحله الأولى تجاه توقع الأزمات بالأسواق المالية، وأن أمامه طريقًا طويلًا حتى يكون أكثر احترافية في هذا الشأن.
تطور آليات الذكاء الاصطناعي
ورغم هذا لا يمكن إنكار التطور الذي حققه الذكاء الاصطناعي في التداول على الأسهم مثل زيادة الكفاءة، وأتمتة العديد من جوانب التداول وتحييد المشاعر البشرية من عملية اتخاذ القرار.
وتتخذ برامج التداول بالذكاء الاصطناعي قرارات سريعة للغاية، ما يمكّن المتداولين من استغلال ظروف السوق.
اتخاذ قرار أفضل قد يحدث في ظل تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل التعلم الآلي والتعلم العميق وتحليل كميات هائلة من البيانات حيث لا تؤثر المشاعر البشرية على اختيار الأسهم لأن الخوارزميات تتخذ قرارات اعتماداً على البيانات.
كما أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي يمكنها العمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ما يخلق فرصاً في مناطق زمنية مختلفة.
ومن المرجح أن يستمر تأثير التداول الخوارزمي بالذكاء الاصطناعي على الأسهم، كما سيطور مطورو البرامج خوارزميات أقوى وأسرع لتحليل مجموعات بيانات أكبر، لتتمكن تلك البرامج من التعرف على أنماط تحركات السوق المعقدة، والتكيف بشكل أسرع مع ظروف السوق المتغيرة وتعديل استراتيجيات التداول بسرعة كبيرة، الأمر الذي قد يجعل تجارة الذكاء الاصطناعي تهيمن على مشهد الأسواق المالية.
ولكن يظل أحد العوامل التي تؤثر على مستقبل استراتيجيات الاستثمار والتداول التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي هو ما إذا كان الذكاء الاصطناعي قادراً على محاكاة الحدس البشري والتفكير الإبداعي أم لا؟
البشر يسبقون الذكاء الاصطناعي أحيانا
ورغم أن الذكاء الاصطناعي لم يتوقع مثل تلك الخسائر لأسواق المال، لكن يبدو أن هناك من توقعها مسبقاً من البشر.
فالملياردير الشهير “وارن بافت” باع نحو نصف حصة “بيركشاير هاثاواي” في شركة “أبل” خلال الربع الثاني من العام الحالي.
ورفعت عمليات البيع السيولة النقدية لـ”بيركشاير” إلى مستوى قياسي بلغ 277 مليار دولار، في إشارة إلى أن عملية البيع لم تكن بسبب نقص السيولة لديها.
وامتدت عمليات بيع “بيركشاير” أسهمها في “أبل” لسبعة أرباع متتالية، لكن الربع الثاني من هذا العام شهد أكبر عملية بيع بعد تخلي “بافت” عن أكثر من 75 مليار دولار من الأسهم في الربع الثاني.
وفي الربع الثاني باعت الشركة نحو 390 مليون سهم من أسهم “أبل”، إضافة إلى 115 مليون سهم بيعت من يناير إلى مارس الماضي، رغم الارتفاع الكبير الذي شهدته أسهم صانعة الآيفون خلال منذ بداية عام 2024.
وبذلك تصل قيمة إجمالي الأسهم المبيعة في النصف الأول من عام 2024 إلى أكثر من 90 مليار دولار.
ومنذ منتصف يوليو، باعت بيركشاير أيضاً أسهماً في “بنك أوف أميركا”، ثاني أكبر حيازة أسهم لديها بعد “أبل”، بقيمة أكثر من 3.8 مليار دولار.
وفقد سهم أبل نحو عشرة دولارات أو ما نسبته 4.8% من قيمته خلال تعاملات أمس الاثنين.
ومع الهبوط الحاد الذي شهدته الأسواق مؤخراً، يبدو أن “بافت” كان لديه حدسٌ بما سيشهده سوق الأسهم وأنه اتخذ خطوات مسبقة للحفاظ على النتائج المالية لشركته.
صورة قاتمة للأسواق
وأنهت الأسهم الأمريكية تعاملات أمس بخسائر حادة، تاركة مؤشري ناسداك وستاندرد آند بورز 500 منخفضين بنسبة 3% على الأقل لكل منهما، حيث واصلت السوق موجة بيع الأسهم والتي بدأت الأسبوع الماضي وسط مخاوف من الركود في الولايات المتحدة.
وسجلت المؤشرات الثلاثة الرئيسية أكبر انخفاضات لها في ثلاثة أيام منذ يونيو 2022، وأغلق مؤشرا ناسداك وستاندرد آند بورز 500 عند أدنى مستوياتهما منذ أوائل مايو الماضي، وهبطت جميع قطاعات ستاندرد آند بورز 500 الـ11، بقيادة الانخفاضات في قطاع التكنولوجيا.
وانخفض داو جونز الصناعي 2.6%، ليصل إلى 38703 نقاط، وخسر ستاندرد آند بورز 500 نحو 3%، ليبلغ 5186 نقطة، وفقد ناسداك 3.43% من قيمته مسجلاً 16200 نقطة.
وهزت مخاوف الركود الأسواق العالمية ودفعت المستثمرين إلى الابتعاد عن الأصول الخطرة في أعقاب البيانات الاقتصادية الضعيفة الأسبوع الماضي، بما في ذلك تقرير الرواتب الأمريكي يوم الجمعة.
ويخشى المستثمرون أن يفقد الاقتصاد زخمه بشكل أسرع مما كان متوقعاً وأن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد أخطأ في إبقاء أسعار الفائدة ثابتة في اجتماعه الأخير نهاية يوليو الماضي.
وسجل مؤشر التقلبات في بورصة شيكاغو، وهو “مقياس الخوف” في وول ستريت، أعلى إغلاق له منذ 28 أكتوبر 2020.
ويضع المتداولون الآن في الحُسبان احتمالات بنسبة 86% بأن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماعه المقبل المقرر في سبتمبر، واحتمالات بنسبة 14% لخفضها بمقدار 25 نقطة أساس، وفقاً لأداة فيدوتش.
الأسهم الأوروبية أيضاً سجلت أمس الإثنين خسائر ملحوظة جعلتها عند أدنى مستوياتها في ستة أشهر، وتصدرت أسهم شركات الطاقة والمرافق الخسائر على نطاق واسع.
وأغلق المؤشر ستوكس 600 منخفضاً 2.2%، لكنه ابتعد عن أدنى مستوى سجله خلال الجلسة.
وسجل المؤشر الواسع النطاق أكبر انخفاض له في ثلاثة أيام منذ يونيو 2022، وأغلق دون مستوى 500 نقطة الرئيسي لليوم الثاني على التوالي.
وقدمت أنباء انتعاش قطاع الخدمات الأمريكي في يوليو بعض الارتياح للمتعاملين، ما ساعد الأسهم الأمريكية والأوروبية على تعويض بعض خسائر اليوم.
وعلى صعيد المؤشرات الأوروبية الأخرى، تراجع المؤشر داكس الألماني والمؤشر كاك 40 الفرنسي والمؤشر فايننشال تايمز البريطاني والمؤشر إيبكس 35 الإسباني بنسب تتراوح بين 1.4% و2.3%، لتصل إلى أدنى مستوياتها في عدة أشهر خلال اليوم.
وفي جلسة عصيبة لجميع القطاعات الأوروبية، سجل قطاع الطاقة أدنى مستوى له في ستة أشهر، مقتفيا أثر انخفاض أسعار النفط، كما هبطت أسهم قطاع البنوك إلى أدنى مستوى لها في أربعة أشهر.
الصورة كانت أكثر قتامة في آسيا، إذ انهارت الأسهم اليابانية يوم الإثنين وتكبدت أكبر خسارة يومية منذ موجة بيع يوم الإثنين الأسود في 1987.
وفقد المؤشر نيكاي 12.4% مع ارتفاع الين إلى أعلى مستوياته في سبعة أشهر مقابل الدولار.
وقادت أسهم القطاع المصرفي الياباني الانهيار، ما دفع المؤشر نيكاي ليكون متراجعاً 27% عن ذروته المسجلة في 11 يوليو، وخسر المؤشر 113 تريليون ين (792.32 مليار دولار) من قيمته منذ ذلك الحين.
وفقد نيكي 4451 نقطة أمس الإثنين، وهو أكبر انخفاض له على الإطلاق في يوم واحد، متجاوزاً الخسائر التي سجلها في أكتوبر 1987 عندما انهارت سوق الأسهم العالمية فيما يعرف بـ”الإثنين الأسود”.
وهوى قطاع البنوك 17% ليصبح أسوأ القطاعات بين المؤشرات الفرعية الثلاثة والثلاثين ببورصة طوكيو، وهبط المؤشر توبكس الأوسع نطاقاً 12.2%.