الاقتصادية

عالم الإمبراطورية: كيف شكّلت الإمبريالية البريطانية العالم؟

– في كتابه “عالم الإمبراطورية”، ينقب ساثنام سانغيرا بعمق في الآثار الباقية للإمبريالية البريطانية على الهياكل العالمية المعاصرة.

– يمتد تحليله الشامل ليغطي طيفًا واسعًا من المؤسسات، بدءًا من الشركات متعددة الجنسيات والمنظمات الدولية إلى الصناعات الثقافية والنظم القانونية.

– يستخدم سانغيرا ببراعة الصحفي لغة سلسة وسردًا شيقًا لكشف الستار عن استمرار تأثير الديناميكيات الاستعمارية في عالمنا اليوم.

– يُذكر أن كتاب “عالم الإمبراطورية” هو أحدث إصدارات الصحفي المتميز ساثنام سانغيرا، والذي يأتي في أعقاب نجاح كتابه السابق الحائز على جوائز “أرض الإمبراطورية”.

276ea717 c0a3 438c bb64 c7f59a00fe59 Detafour

– يستكشف هذا العمل الجديد الآثار البعيدة المدى للإمبراطورية البريطانية على العالم المعاصر، مُعمقًا بذلك التحليل الذي بدأه في كتابه الأول والذي لاقى إشادة واسعة، حيث اخْتِيرَ كتاب العام في جوائز الكتاب الوطني البريطاني لعام 2022.

– بينما لا يدعي الكتاب أنه دراسة أكاديمية بحتة، إلا أنه يقدم تحليلاً معمقاً ومدعماً بأبحاث واسعة النطاق، يكشف عن جوانب خفية ومهملة من الإمبراطورية البريطانية واستمرار تأثيرها حتى يومنا هذا.

– يستعرض الكتاب مجموعة متنوعة من القضايا، من بينها دور “المنقذين البيض” في تشكيل النظرة الغربية للعالم، وتأثير الإمبراطورية على النُّظم القانونية في مختلف البلدان، ودور علم النبات في تبرير التوسع الاستعماري.

– بمهارة صحفية لافتة، ينسج سانغيرا سرديات مقنعة حول صعود وسقوط الإمبراطوريات ونهاية الاستعمار، ويشرح بوضوح كيف توسعت الإمبراطوريات بدعم من الشركات الكبرى، وكيف استمرت هذه الشركات متعددة الجنسيات في التأثير على حياتنا المعاصرة.

– والأكثر إبهارًا هو قدرة سانغيرا على ربط العديد من الممارسات المعاصرة بجذورها الاستعمارية المتأصلة في مختلف أنحاء العالم.

– ويُدلي هذا الكتاب بدلوه في الجدل الدائر حول استمرارية الإرث الاستعماري، مدعماً الرأي القائل بأن الاستعمار ليس مجرد حدث تاريخي وانتهى، بل له أصداء مستمرة في حاضرنا.

– لعبت شركات عملاقة مثل شركة النفط البريطانية (بي بي) وشركة هونج كونج وشنغهاي المصرفية (اتش اس بي سي) دورًا محوريًا في دفع عجلة الاقتصاد للإمبراطورية.

– فشركة بي بي، كما يشير سانغيرا، نشأت من شركة النفط الأنجلو-فارسية التي أسسها البريطانيون لاستغلال حقول النفط المكتشفة في إيران عام 1909، بينما تأسست شركة اتش اس بي سي عام 1865 لتسهيل التجارة الإمبراطورية البريطانية.

– وهنا تجدر الإشارة إلى أن فكرة استمرار النفوذ الاستعماري في العصر الحديث لا تُعد فكرة حديثة، فقد طرحت أنيا ماكلينتوك في عملها الرائد “جلود الإمبراطورية” (Imperial Leather) مصطلح “الاستعمار الجديد” كبديل أكثر ملاءمة لمفهوم “ما بعد الاستعمار” في تحليل العلاقات الدولية المعاصرة.

– وفي السياق ذاته، قدم هاردت ونيجري في كتابهما “الإمبراطورية” تحليلاً نقدياً للهياكل المؤسسية العالمية، مؤكدين على استمرار الهيمنة الغربية.

– ويتجسد هذا الاستمرار في ممارسات المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، التي تفرض على الدول النامية سياسات اقتصادية تخدم مصالح الدول الغنية.

– يتناول سانغيرا مسألة إنهاء الاستعمار، مستندًا في تحليله إلى نماذج سينمائية، فيرى أن أفلام هوليوود قد رسخت صورة نمطية للبريطاني كشرير، كما في دور شريف نوتنغهام الذي أداه آلان ريكمان، ودور دراكولا الذي جسده كريستوفر لي.

– ويرى سانغيرا أن هذه الشخصيات هي تجسيد للشر الكامن في قلب الإمبراطورية البريطانية، وأن السينما الأمريكية، رغم كونها نتاجًا لهذا المشروع، قد ساهمت في ترسيخ هذه الصورة النمطية، متجاهلة حقيقة أن بطل فيلم “روبن هود” كان أمريكيًا (كيفن كوستنر) أنقذ إنجلترا من شرير بريطاني حقيقي.

– ومع أن هذا الأمر يثير تساؤلاً مهمًا حول طبيعة النضال من أجل إنهاء الاستعمار، إلا أن تحليل سانغيرا يغفل عن استمرار النفوذ الثقافي للإمبريالية، والذي تمارسه صناعات السينما الأمريكية والبريطانية من خلال هيمنتها على سرديات القوة عالميًا.

– في رحلة استكشافية داخل الفصل الثاني من كتابه -وهو بعنوان “نباتات مفيدة”- يسلط سانغيرا الضوء على الدور البارز الذي لعبته حدائق كيو في تشكيل المشهد العلمي والإمبراطوري لبريطانيا.

– ففي قلب هذه الحدائق، التي تعود جذورها إلى القرون الوسطى، تكمن قصة تطور علمي امتدت على قرون، لتتحول إلى مؤسسة عالمية تضم بين جنباتها كنوزًا نباتية من كل بقاع الأرض، إن هذا التنوع النباتي الغني هو ثمرة مباشرة للتوسع الاستعماري الذي شهدته بريطانيا.

– ولطالما كانت العلاقة بين النبات والإمبراطورية محور اهتمام العديد من الباحثين، واليوم، تؤكد حدائق كيو نفسها على هذه العلاقة من خلال عرضها لهذا الكتاب، وكأنها تعترف بأن تاريخها هو جزء لا يتجزأ من تاريخ الإمبراطورية.

– يُذكر أن الحدائق النباتية الملكية في كيو تُعد مرجعًا عالميًا في مجال النبات، حيث تضم مجموعة حية فريدة من نوعها تتكون من 27 ألف نوع نباتي، جمعت بفضل جهود استكشافية طويلة الأمد.

– وفي الفصل الخامس بعنوان “نظام قانوني عقلاني ومفهوم”، يشدّد سانغيرا على الدور المحوري للجنة القضائية التابعة للمجلس الملكي الخاص في تشكيل الأنظمة القانونية في دول الكومنولث، لا سيما في كندا.

– تُظهر الأبحاث الحديثة حول التاريخ الاستعماري أهمية التجنيس في تشكيل الهويات الثقافية والسياسية، فمن خلال تجنيس المستعمَرين، سعت الأنظمة الاستعمارية إلى خلق هوية “أخرى” متخيلة، وبالتالي تعزيز سلطة المستعمر وتبرير استغلال الموارد البشرية والمادية للمستعمرات.

– وفي الختام، يخلص سانغيرا إلى أن بريطانيا مطالبة بمواجهة ماضيها الاستعماري بكل شفافية، والاعتراف بدورها في خلق العديد من التحديات التي تواجه عالمنا اليوم.

– فمن غير المقبول التهرب من المسؤولية والادعاء بأن الإمبراطورية كانت ظاهرة معقدة لا يمكن الحكم عليها ببساطة بأنها “جيدة” أو “سيئة”، فالإمبراطورية تركت وراءها جروحًا عميقة لا تندمل في العديد من البلدان، ولا يمكن تجاهل هذا الواقع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى