معادلة مُحيرة في سياحة المغرب: انتعاشٌ في عدد الزوار وتراجعٌ في الإنفاق
شهد قطاع السياحة في المغرب انتعاشًا ملحوظًا خلال العام الماضي، حيث ارتفع عدد الوافدين بشكل كبير. ومع ذلك، تكشف مؤشرات مهمة، مثل تقرير البنك الدولي الأخير حول متابعة تطور الاقتصاد المغربي، عن ظاهرة مثيرة للاهتمام: تراجع مستوى الإنفاق السياحي رغم هذا الارتفاع في عدد الزوار.
و يُظهر تقرير البنك الدولي أن متوسط إنفاق السائح اتبع مسارًا غير منتظم خلال الفترة من 2000 إلى 2023، مع اتجاه عام نحو الانخفاض. فقد وصل إلى 5,613 درهمًا في عام 2023 مقابل أكثر من 7,000 درهم في عام 2022.
ورغم تراجع الإنفاق، فقد شهدت مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي ارتفاعًا مطردًا من عام 2000 إلى عام 2019، لتصل إلى 7.2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، مقارنة بـ 7.1% في العام السابق.
وعلى الرغم من جائحة COVID-19، شهد القطاع السياحي انتعاشًا قويًا، حيث بلغ عدد الوافدين 14 مليونًا في عام 2023، ما يمثل زيادة بنسبة 167%. ويعادل هذا المستوى مستويات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مع ارتفاع ملحوظ في إيرادات السياحة لتصل إلى 104.7 مليار درهم.
و يُثير التناقض بين ارتفاع عدد السياح وتراجع إنفاقهم تساؤلات حول العوامل الكامنة وراء هذه الظاهرة. هل تشير إلى تغيرات في سلوكيات الإنفاق السياحي؟ أم تعكس تحديات يواجهها القطاع السياحي المغربي؟
في هذا السياق، يُقدم الخبير والمحلل الاقتصادي، بدر زاهر الأزرق، تحليلاً لهذه الظاهرة، موضحًا أن تراجع النفقات يعود بالأساس إلى الأزمات الاقتصادية العالمية حيث شهد الاقتصاد الدولي أزمات وصدمات أدت إلى ارتفاع مستويات التضخم، خاصة بعد أزمة كوفيد-19 وما خلفته من أضرار على مستوى القدرة الشرائية لسكان العالم.
و كذلك تنوع شرائح السياح حيث ارتفاع عدد الوافدين يشمل السياح المغاربة المقيمين بالخارج والسياح الأجانب. نفقات مغاربة العالم غير مرتبطة بالوحدات الفندقية كون أغلبهم يتوفرون على مساكن، كما يتوجهون لأماكن سياحية خارج المسارات الكلاسيكية.
و يأتي الجزء المتبقي من السياح الأجانب وفقًا لعروض معينة، وبالتالي قد تقلصت نفقاتهم بالفعل.
بالإضافة إلى سهولة الوصول إلى المغرب بفضل انخفاض كلفة النقل والاتفاقيات المبرمة مع العديد من الدول حول النقل الجوي، مما يجعله وجهة سهلة الولوج لقلة نفقاته، ويُتيح للعديد من الأشخاص متوسطي الدخل زيارة المملكة.
وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أن زيارة المغرب ليس أمرا مكلفا بالنسبة للعديد من السياح، خاصة مع انخفاض كلفة النقل، والاتفاقيات المبرمة بين المغرب والعديد من الدول حول النقل الجوي، ما يجعل من المغرب وجهة سهلة الولوج لقلة نفقاته، ما يمكن العديد من الأشخاص متوسطي الدخل من زيارة المملكة.
تعكس هذه التحليلات والتوصيات ضرورة اتخاذ إجراءات لتعزيز الإنفاق السياحي في المغرب، من خلال تنويع العروض السياحية وتحسين جودة الخدمات وتشجيع السياح على الإقامة لفترات أطول. سيساهم ذلك في تحقيق نمو مستدام للقطاع السياحي وزيادة مساهمته في الاقتصاد الوطني.