كابلات الإنترنت .. هل تصبح أهدافاً لعقاب اقتصادي في ظل تصاعد الصراعات؟
تعد كابلات الألياف الضوئية الممتدة عبر المحيطات والبحار عصب شبكة الإنترنت، والتي أصبحت ركيزة أساسية في حياة مليارات الأشخاص حول العالم.
ومنذ وقت ليس ببعيد، طلبت الحكومة البريطانية من مؤسسة “راند أوروبا”، وهي مؤسسة بحثية مقرها في كامبريدج بإنجلترا، إجراء بعض الأبحاث حول البنية التحتية تحت سطح البحر، بحسب تقرير نشرته الإيكونوميست.
وفي منتصف العملية، أدركت “روث هاريس”، قائدة المشروع، أنها كشفت بغير قصد عن العديد من التفاصيل الحساسة التي يمكن أن تستغلها روسيا أو غيرها من خصوم بريطانيا في التأثير على بنيتها التحتية تحت سطح البحر وأهمها كابلات الإنترنت.
وظلت الحكومات الغربية لسنوات عديدة تشعر بالقلق بشأن أمن الكابلات البحرية، التي تنقل معظم حركة الإنترنت في العالم.
ولكن هذه القضية لم تصبح موضع تركيز حاد إلا في الآونة الأخيرة، وذلك بسبب سلسلة من حوادث غامضة تعرضت لها تلك الكابلات من بحر البلطيق إلى البحر الأحمر.
وتأتي تلك المخاوف في ظل استمرار الحرب الدائرة في أوكرانيا والتي تسببت في اشتعال الصراع بين روسيا ودول الغرب التي سارعت بفرض عقوبات على موسكو منذ اندلاع الحرب في فبراير 2022.
أكثر من 500 كابل بحري
ونشر موقع “سي نت” العام الماضي تقريراً كشف فيه عن العالم السري لأكثر من 500 كابل تعمل على تشغيل الإنترنت حول العالم، تمتد عبر الأعماق الباردة لمحيطات العالم وتقدر قيمتها بمليارات الدولارات.
فمتابعة حدث ما في لندن أو نيويورك، وأنت جالس على مقعد بمنزلك أصبح أمراَ سهلاً وعادياً عبر شبكة من الكابلات البحرية المغطاة عبر الخطوط المظلمة والباردة لقاع المحيط.
هذه الكابلات تنقل المشاهد والأصوات بسرعة الضوء من خلال خيوط من الألياف الزجاجية الرقيقة مثل شعرك، ولكن بطول آلاف الأميال.
وتعتبر هذه الكابلات، التي يبلغ سمكها سمك خرطوم ري الحديقة، من أعاجيب التكنولوجيا الفائقة. وفي العام الماضي جرى مد أسرع كابل لنقل المعلومات عبر المحيط الأطلسي وتم تمويله من قبل “مايكروسوفت و”ميتا” وشركات أخرى.
ويمكن لهذا الكبل حمل 400 تيرابايت من البيانات في الثانية. وهذا أسرع بـ400 ألف مرة من النطاق العريض المنزلي الخاص بك إذا كنت محظوظاً بما يكفي للحصول على خدمة جيجابت متطورة.
ورغم تصاعد أهمية مزودي الإنترنت عبر الأقمار الصناعية مثل “ستارلينك”، فإن الكابلات البحرية تظل العمود الفقري للتجارة والاتصالات العالمية، حيث تنقل أكثر من 99% من حركة المرور بين القارات.
وتذكر شركة “تليجيوجرافي”، وهي شركة تحليلية تتتبع الكابلات البحرية عن كثب، أن هناك نحو 552 كابلاً بحرياً لنقل البيانات، وأن هناك المزيد في الطريق مع انتشار الإنترنت في كل جزء من العالم وفي كل ركن من أركان الحياة.
ومن المتوقع أن يشهد الطلب على كابلات نقل البيانات البحرية فائقة السرعة ارتفاعاً بنسبة تتراوح بين 45 و60% سنويًا.
أسهل في الاستهداف
كان التخريب المتعمد الذي تعرض له خطي أنابيب الغاز الطبيعي نوردستريم 1 و2 الذي يربط روسيا وأوروبا في 2022 أكثر صعوبة من الناحية اللوجستية من قطع كابل إنترنت بسمك قريب من خرطوم المياه.
ويرى الخبراء أن سهولة قطع الكابلات البحرية قد يجعلها هدفاً سهلاً في حال نشوب الصراعات، وعلى سبيل المثال تمتلك تايوان 27 كابلاً تحت البحر يمكن أن يعتبرها الجيش الصيني أهدافاً في أي هجوم على الجزيرة.
ولكن إذا كانت الكابلات سهلة الاستهداف لماذا تشهد توسعاً؟ الإجابة ببساطة تتمثل في المزايا الاقتصادية كبيرة التي تحققها تلك الكابلات.
وتعني وصلات الكابلات تحت سطح البحر سرعات إنترنت أسرع، وأسعاراً أقل، وزيادة بنسبة 3 إلى 4% في التوظيف، وزيادة بنسبة 5 إلى 7% في النشاط الاقتصادي، وفقاً لتقديرات “ماكينزي”.
وتتوقع شركة “تليجيوجرافي”، إنفاق 10 مليارات دولار على الكابلات البحرية الجديدة من عام 2023 إلى عام 2025 حول العالم.
ويتكلف تركيب كابل عبر المحيط الأطلسي قرابة 250 مليون إلى 300 مليون دولار.
ويتم تسليح الكابلات بكابلات فولاذية ويتم دفنها في قاع البحر بواسطة محراث خاص يتم سحبه خلف سفن مهمتها مد تلك الكابلات عبر البحار والمحيطات.
وفي المحيط العميق، حيث لا تمثل معدات الصيد والمراسي مشكلة، يتمتع الكابل بحماية أقل ويتم وضعه ببساطة في قاع البحر.
أبرز حوادث انقطاع الكابلات في 2024
في مارس الماضي تضررت الكابلات البحرية، التي تمر تحت مياه البحر الأحمر، ما أدى إلى تعطيل شبكات الاتصالات العالمية وإجبار العديد من مقدمي خدمات الاتصالات ونقل البيانات على إعادة توجيه ما يصل إلى 25% من حركة مرور الاتصالات والإنترنت بين آسيا وأوروبا والشرق الأوسط.
وأدى انقطاع الكابلات التابعة لأربع شبكات رئيسية للاتصالات إلى اضطرابات كبيرة في شبكات الاتصالات في الشرق الأوسط.
ومن بين الشبكات التي تضررت شبكة “آسيا- إفريقيا- أوروبا 1″، وهي شبكة كابلات بطول 25 ألف كيلومتر، تربط جنوب شرق آسيا بأوروبا عبر مصر، كما تضررت شبكة “أوروبا والهند”، والتي تربط أوروبا والشرق الأوسط والهند، وتعتبر فودافون البريطانية مستثمراً رئيسياً فيها.
كما انقطعت الإنترنت على نطاق واسع في بنجلاديش خلال شهر أبريل الماضي بسبب تلف كابل إنترنت تحت البحر.
وقال “ميرزا كمال” المدير التنفيذي لشركة “بنجلاديش سابمارين كابلز”، إن أحد الكابلين البحريين “جنوب شرق آسيا – الشرق الأوسط – أوروبا الغربية ” الذي يوفر لبنجلاديش الاتصال بالإنترنت تضرر، وأثر تلف الكابل البحري على خدمات الإنترنت هناك لمدة أسبوع تقريباً.
وعانى مستخدمو الإنترنت في كينيا وتنزانيا ورواندا وأوغندا في مايو الماضي، من انقطاع الاتصال بالإنترنت أو ضعفها نتيجة قطع أحد الكابلات التي تمتد على طول ساحل شرق إفريقيا، والمعروف باسم “إيزي”.