الرش بمسدسات المياه .. أحدث الطرق لمواجهة السياحة المفرطة
“عودوا إلى بيوتكم أيها السائحون.. برشلونة ليست للبيع” بهذه العبارات استقبل المتظاهرون من سكان برشلونة السياح، حاملين في أيديهم مسدسات لرش زوار المدينة بالمياه كجزء من مظاهرة ضد السياحة المفرطة.
ونزل آلاف المتظاهرين إلى شوارع المدينة الأسبوع الماضي في أحدث مظاهرة ضد السياحة المفرطة في إسبانيا، منددين بتأثيرها على تكاليف المعيشة ونوعية الحياة للسكان المحليين.
ونظمت مجموعة تضم أكثر من 100 منظمة محلية، المظاهرة بهدف الحد من النمو السياحي.
ووفقاً للأرقام الرسمية، أقام ما يقرب من 26 مليون زائر ليلة واحدة في منطقة برشلونة في عام 2023، وأنفقوا 12.75 مليار يورو (13.8 مليار دولار).
معاناة سكان المدينة
وتقول جمعية محلية مناهضة لتدفق السياح إن هؤلاء الزوار يرفعون الأسعار ويضغطون على الخدمات العامة، في حين يتم توزيع أرباح صناعة السياحة بشكل غير عادل، ما يزيد من عدم المساواة الاجتماعية.
ونشرت 13 مقترحاً لتقليل عدد الزوار ونقل المدينة إلى نموذج جديد للسياحة، بما في ذلك إغلاق محطات السفن السياحية، والمزيد من تنظيم الإقامة للسياح وإنهاء الإنفاق على الترويج السياحي.
وبالفعل سلط عمدة المدينة، “جاومي كولبوني”، الضوء على سلسلة من الإجراءات التي أعلن عنها مؤخراً للحد من تأثير السياحة المفرطة، بما في ذلك زيادة ضريبة السياحة الليلية إلى 4 يوروهات (4.30 دولار) والحد من عدد ركاب السفن السياحية.
وفي نهاية يونيو، أعلن “كولبوني” أيضاً أنه سينهي تأجير الشقق للسياح بحلول عام 2028 من خلال إلغاء تراخيص الإيجار قصيرة الأجل لأكثر من 10000 شقة.
ومن شأن هذا أن يساعد في جعل السكن في متناول المقيمين لفترات طويلة، ووفقاً لعمدة المدينة فإن الإيجارات زادت بنسبة 68% في السنوات العشر الماضية، مع ارتفاع تكلفة شراء منزل بنسبة 38%.
السخط يمتد لمدن إسبانية أخرى
برشلونة ليست المدينة الإسبانية الوحيدة التي تعاني من السياحة المفرطة، إذ شهدت مدن في أجزاء أخرى من إسبانيا احتجاجات مماثلة.
ففي أبريل، احتشد السكان المحليون في جزر الكناري للاحتجاج على السياحة المفرطة، وألقوا باللوم على الزوار بشأن رفع أسعار استئجار المنازل والتسبب في أضرار بيئية.
وزار إسبانيا أكثر من 85 مليون سائح العام الماضي، وأنفقوا 108.662 مليار يورو لتنهي إسبانيا عام 2023 بأرقام سياحية قياسية، وفقاً للبيانات التي جمعها معهد الإحصاء الإسباني.
وارتفع عدد السياح في 2023 بنحو 18.7% مقارنة بالعام السابق، كما زاد بنسبة 1.9% مقارنة بعام 2019 (وهو العام الأخير الذي لم تتأثر فيه مؤشرات السياحة بجائحة كوفيد-19)، عندما تم تسجيل 83.5 مليون مسافر.
وكانت كاتالونيا هي الأكثر زيارة من قبل السياح الأجانب حيث استقبلت 18 مليون مسافر، بزيادة 21.2% عن عام 2022. وتلتها جزر البليار بـ14.4 مليون زائر بارتفاع قدره 9.1%، ثم جزر الكناري التي استقبلت 13.9 مليون سائح بانتعاش بلغ 13.1%.
تنوع مظاهر الاحتجاج
وفي مايو الماضي بدأت بلدة يابانية، في تركيب حاجز شبكي كبير في منطقة مشاهدة شهيرة لجبل فوجي، في محاولة لمنع عدد متزايد من السياح من التقاط الصور.
وقال السكان المحليون هناك إنهم سئموا من التدفقات التي لا تنتهي من الزوار، معظمهم من الأجانب، الذين يرمون القمامة ويتعدون على ممتلكات الغير، ويخالفون قواعد المرور في بحثهم عن صورة لأشهر مشهد في اليابان لمشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي.
أما مدينة البندقية في إيطاليا فقد لجأت لحل مختلف، ففي أبريل الماضي بدأت المدينة في تطبيق إجراء يشكل سابقة عالمية، يتعين بموجبه على السياح الذين يزورونها لفترات نهارية قصيرة من دون المبيت فيها، دفع ضريبة قدرها 5 يوروهات، في محاولة للحد من الأعداد الضخمة للسياح.
وتسعى البندقية إلى ثني عدد من السياح عن ارتياد أزقتها الضيقة وجسورها الممتدة فوق القنوات المائية، خلال الفترات التي تشهد إقبالاً سياحياً كبيراً.
وقال رئيس بلدية البندقية “لويجي برونيارو” حينها إن الهدف من هذا الإجراء هو جعل البندقية أكثر ملاءمة للعيش، كما منعت المدينة الإيطالية التي تُعد إحدى أكثر المدن استقطاباً للزوار في العالم، السفن السياحية العملاقة من الوصول إليها.
وفي فترات الذروة السياحية، يمضي مئة ألف سائح ليلتهم في البندقية، إضافة إلى عشرات آلاف الزائرين الذين يقضون فيها ساعات قصيرة من دون المبيت.
وفي سويسرا، أعلنت هيئة السياحة أنها تسعى إلى تشجيع الزيارات خارج مواسم الذروة والترويج لوجهات جديدة لا تستقطب أعداداً كبيرة من الزائرين.
وقال مسؤولو الهيئة في مؤتمر صحفي عقد في وقت سابق من هذا الشهر، إنهم يعملون على توجيه السيّاح إلى “الأماكن المناسبة، في الوقت المناسب“.
وقال رئيس هيئة السياحة السويسرية “مارتن نيديجر” إن سويسرا لا تعاني من سياحة مفرطة عموماً، لكن هناك حالات اكتظاظ موقتة ومحلية معروفة جيداً في القطاع.
وأضاف “نيديجر”، أن قرية إيسلتوالد في وسط سويسرا شهدت فجأة توافد أعداد كبيرة من السياح الآسيويين على شواطئ بحيرة برينز العام الماضي بعد النجاح الكبير الذي حققه مسلسل “كراش لاندينغ أون يو” الكوري الجنوبي على “نتفليكس”.
وقررت القرية التي يبلغ عدد سكانها نحو 400 نسمة، فرض رسم قدره خمسة فرنكات سويسرية (5,55 دولار) على السائحين الراغبين في ركوب القارب العائم لالتقاط صورة في موقع صُوّر مشهد رومانسي فيه.
تكرار هذه المشاهد حول العالم يعكس معاناة سكان العديد من المناطق السياحية، التي شهدت أعدادًا قياسية من الزوار مؤخرًا مع تعافي صناعة السفر من الانكماش الناجم عن الوباء.
لذا لم يعد غريباً أن تفرض العديد من مناطق الجذب السياحي مبادرات وقيوداً تهدف إلى مكافحة السياحة المفرطة، بما في ذلك الضرائب السياحية الجديدة أو المتزايدة، لتثبيط الزائرين الذين يثيرون غضب السكان المحليين.
جدول يشير إلى معدلات تدفق السياح في عام 2023 مقارنة بعام 2019 وفقاً للمناطق: |
|
المنطقة |
النسبة |
الشرق الأوسط |
+%31 |
أوروبا |
-%4 |
أسيا والباسفيك |
-%34 |
أمريكا |
-%9 |
إفريقيا |
-%3 |
تعافي السياحة العالمية
وفي وقت سابق من هذا العام، أعلنت منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة أنه من المتوقع أن تتعافى السياحة العالمية بالكامل من مستويات ما قبل الجائحة في عام 2024، وتشير التقديرات الأولية إلى نمو بنسبة 2% مقارنة بمستويات 2019.
وبحسب البيانات الصادرة عن مقياس السياحة العالمي لمنظمة السياحة العالمية الأول لهذا العام، أنهت السياحة العالمية عام 2023 عند نسبة 88% من مستويات ما قبل الجائحة، مع بلوغ عدد السياح نحو 1.3 مليار سائح دولي.
وبلغت عائدات السياحة الدولية 1.4 تريليون دولار عام 2023، أي نحو 93% مما حققته الوجهات السياحية عام 2019، وبلغت حينها 1.5 تريليون دولار.
وتشير التقديرات الأولية لمساهمة السياحة في الاقتصاد العالمي إلى وصولها لـ3.3 تريليون دولار عام 2023، أو 3% من الناتج الإجمالي العالمي حسب ما ذكرت منظمة السياحة العالمية في تقريرها.