لماذا يعيد صعود إنفيديا لصدارة الشركات العالمية من حيث القيمة للأذهان طفرة الدوت كوم؟
أصبحت صانعة أشباه الموصلات الأمريكية “إنفيديا” أكثر الشركات المدرجة قيمة على مستوى العالم بدعم من الطلب المتزايد على رقائق الذكاء الاصطناعي، الذي يقود طفرة أسهم قطاع التكنولوجيا ويعيد للأذهان ذكريات طفرة الدوت كوم.
وتأسست الشركة عام 1993، وعززت مكانتها كلاعب مهيمن في صناعة أشباه الموصلات، وبالفعل أصبحت رقائق الذكاء الاصطناعي من الشركة التي يقع مقرها في كاليفورنيا أداة محورية في تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
وتعد هذه هي المرة الأولى التي تحتل فيها شركة بخلاف “مايكروسوفت” أو”آبل” لقب أكبر الشركات من حيث القيمة منذ فبراير 2019 عندما تصدرت “أمازون دوت كوم” القائمة لفترة وجيزة.
ومنذ عام فقط كانت “إنفيديا” خامس أكبر الشركات قيمة، وقبل خمس سنوات لم تكن حتى ضمن أكبر 20 شركة، ويعكس الحماس الحالي بشأن الذكاء الاصطناعي طفرة الإنترنت في أواخر التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين.
وكانت المرة الأخيرة التي احتلت فيها شركة كبرى تقدم البنية التحتية للحوسبة لقب أكبر الشركات الأمريكية قيمة في مارس 2000، عندما كانت صانعة معدات الشبكات “سيسكو سيستمز” الأعلى قيمة خلال طفرة الدوت كوم.
ماذا تعني طفرة الدوت كوم؟
اشتعلت طفرة الدوت كوم مع إصدار “موزايك” -وهو أحد متصفحات الويب الأولى المستخدمة على نطاق واسع- في عام 1993، الذي جعل إلى جانب متصفحات أخرى لاحقة شبكة الويب العالمية في متناول الجميع وعزز استخدام الإنترنت بصورة كبيرة وساهم في تقليص الفجوة الرقمية وزيادة عدد مستخدمي الإنترنت.
ولكن في الفترة بين 1995 وذروتها أوائل عام 2000، زادت الاستثمارات بمؤشر ناسداك بحوالي 800%، وتميزت تلك الفترة بالاستثمار الضخم في شركات التكنولوجيا وخاصة تلك التي تحمل أسماؤها “دوت كوم” اعتقادًا بقوة شبكة الإنترنت، وقدرتها على إعادة تشكيل كل جوانب حياتهم.
وانفجرت تلك الفقاعة في عام 2000، وبحلول أكتوبر من ذلك العام تراجع مؤشر ناسداك 78% من الذروة التي سجلها، ما محا جميع المكاسب المسجلة خلال فترة الازدهار، وتسبب الانهيار في فشل وإغلاق العديد من شركات التسوق والاتصالات عبر الإنترنت التي ازدهرت في ظل استثمارات المضاربة.
وشهدت الشركات الأكبر حجمًا والأكثر رسوخًا مثل “أمازون” و”سيسكو سيستمز” خسائر كبيرة، إذ خسرت الأخيرة 80% من قيمة أسهمها تقريبًا، ورغم تلك الاضطرابات، إلا أن هناك شركات تمكنت من البقاء والازدهار في أعقاب ذلك.
أوجه التشابه والاختلاف بين فقاعة الدوت كوم وطفرة أسهم التكنولوجيا
ذكر “جون تشامبرز” المدير التنفيذي السابق لـ “سيسكو” خلال طفرة الدوت كوم أنه على الرغم من وجود أوجه تشابه، إلا أن ديناميكيات ثورة الذكاء الاصطناعي متميزة، ويُنظر لفرصة السوق للذكاء الاصطناعي على أنها تجمع بين نطاقي الإنترنت والحوسبة السحابية، مع وتيرة تغيير أسرع ومرحلة مختلفة من خلق القيمة.
تعكس التقييمات المرتفعة الحالية لشركات مثل “إنفيديا” حماسة المستثمرين تجاه الذكاء الاصطناعي، لأنهم يراهنون على أن تلك التقنية ستعزز الإنتاجية وتغير الاقتصاد العالمي بشكل جذري.
وحاليًا تتناقض الاستثمارات الكبرى في رقائق الذكاء الاصطناعي بشكل حاد مع المبيعات المتواضعة نسبيًا لشركات الذكاء الاصطناعي الناشئة، ما يشير إلى اختلالات محتملة في السوق، ويحذر خبراء من أن الحماس الحالي يحمل بصمات الفقاعة، ما قد يؤدي إلى عمليات تصحيح كبيرة في السوق في المستقبل.
وذكر “إريك جوردون” الأستاذ بكلية “روس” للأعمال بجامة ميشيغان أن الإنترنت كان ثوريًا، وسيكون الذكاء الاصطناعي كذلك، ولكن هذا لا يعني أن الشركات التي يعتمد تقييمها على التقنيتين كانت أو تعد استثمارات جيدة.
وأشار إلى أن العديد من شركات الدوت كوم التي قادت التغيير على الإنترنت أفلست بالفعل، والعديد من شركات الذكاء الاصطناعي التي تقود تغييرًا كبيرًا ستفلس أو ربما تفقد نصف قيمتها.
وهو ما يعني أنه حتى لو كان الذكاء الاصطناعي هو الإنجاز الكبير التالي، فإن تقييمات شركات الذكاء الاصطناعي قد لا تزال خارج نطاق السيطرة.
وألمح “جوردون” إلى اختلاف كبير بين هوس الدوت كوم والذكاء الاصطناعي، وهو أن رواد الإنترنت كانوا في الأغلب شركات ناشئة صغيرة، ولكن قادت مجال الذكاء الاصطناعي شركات راسخة ومربحة مثل “مايكروسوفت” و”ألفابت”، وبالتالي يمكن أن يخسروا مليارات الدولارات دون أن يفلسوا، وبالتالي سيعاني الكثير من المستثمرين.
وهناك جانب آخر هو أن الشركات الناشئة حين ظهور فقاعة الدوت كوم لم يكن لديها قواعد ضخمة من المساهمين لذلك عندما انهارت لم يتضرر سوى بعض المستثمرين.
وتشكل شركات التكنولوجيا الكبرى التي تهيمن على الذكاء الاصطناعي جزءًا كبيرًا من قيمة سوق الأسهم الأمريكية، وتعد الدعائم الأساسية لصناديق التقاعد.
وذكر “نيل شيرينج” كبير الاقتصاديين لدى “كابيتال إيكونومكس” أن الحماس حول الذكاء الاصطناعي يحمل كل السمات المميزة للفقاعة المتضخمة وقد يساعد في الحفاظ على ارتفاع الأسهم الأمريكية خلال العام ونصف المقبلين، لكنها ستنفجر في نهاية المطاف، وستتبعها السوق الأمريكية بفترة من الأداء الضعيف بشكل كبير.