قطب بنكي عمومي…خطوة استراتيجية لتحقيق التنمية المستدامة في المغرب
بدأت عمليات التحضير لمشروع قانون المالية لعام 2025، حيث شرع الخبراء والمستشارون في وزارة الاقتصاد والمالية ورئاسة الحكومة في صياغة وتنزيل مجموعة من المشاريع والحلول التمويلية بهدف توسيع موارد الميزانية وتغطية تكاليف الاستثمار المتزايدة لتمويل المشاريع الكبرى، مثل تنظيم نهائيات كأس أمم إفريقيا 2024 ومونديال 2030، بالإضافة إلى تعميم التغطية الصحية والدعم الاجتماعي المباشر ودعم السكن.
وفي ظل هذه التحضيرات، أُعيد فتح النقاش حول مشروع اقترح خلال إعداد قانون المالية لعام 2022، الذي يتمثل في إحداث قطب بنكي ومالي عمومي ضخم لتقديم خدمات تمويلية للمشاريع العامة ودعم التنمية الترابية وتعزيز الإدماج المالي.
وتدرس وزارة الاقتصاد والمالية، بالتنسيق مع الوزارة المنتدبة المكلفة بالميزانية، حالياً هذا المشروع، بالإضافة إلى بحث تأثيراته على القطاع البنكي والمالي الخاص وسبل تنفيذه.
تظهر التداعيات الأولى لمشروع القطب البنكي العمومي في هيكلة مساهمات الدولة بمجموعة من البنوك والمؤسسات المالية مثل مجموعة القرض الفلاحي، والقرض العقاري والسياحي (سياش)، وصندوقي الإيداع والتدبير والتجهيز الجماعي، وبريد المغرب وفرعه البريد بنك، والشركة الوطنية للضمان وتمويل المقاولة “تمويلكم”.
ويتوقع أن تلعب الوكالة الوطنية للتدبير الإستراتيجي لمساهمات الدولة دورًا مهمًا في صياغة وتنزيل هذا المشروع وتنسيق حصص المساهمة في هذه المحفظة البنكية.
تمت الإشارة إلى مشروع القطب البنكي العمومي ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2022 من خلال “إحداث قطب مالي عمومي عبر تقارب بين مؤسسات مالية وبنكية عمومية، مع إعادة تأطير إستراتيجية صندوق الإيداع والتدبير ومراجعة حكامتها”.
و يثير هذا تساؤلات حول كيفية تحقيق التكامل المالي بين عناصر المحفظة البنكية ومؤسسات مالية أخرى مثل صندوق محمد السادس للاستثمار وصندوق الحسن الثاني وإثمار كابيتال وأسما أنفست والشركة المغربية للهندسة السياحية والوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات.
وأوضح محمد أمين الحسني، خبير اقتصادي، أن “مشروع إحداث قطب بنكي ومالي عمومي هو طموح ومشجع على ضمان استدامة المشاريع العامة لكنه يواجه تحديًا كبيرًا في تحقيق التكامل المالي عند تجميع مساهمات الدولة في أكثر من مؤسسة”.
وأشار إلى أن “تجميع الحصص في القطاع الخاص مثلاً يتم وفق إستراتيجية واضحة المعالم، تتضمن عقلنة تدبير النفقات وزيادة المالية للاستثمار والسيطرة على تكاليف الاستغلال”، ولكن هذا التوجه غائب في عمليات مماثلة بالقطاع العام.
وأكد الحسني أن “تجميع حصص الدولة في قطب بنكي عمومي قد يهدد بتأثير سلبي على المنافسة في السوق البنكية”، موضحًا أن “إحداث قطب من هذا النوع يمكن أن يقلل الحوافز لتحسين الخدمات وتخفيض التكاليف، ما يؤثر سلبًا على المستهلكين والمقاولات الصغرى والمتوسطة”.
وأضاف أن “نشاط الكيان الجديد قد يؤدي إلى تعقيد إدارة المخاطر المالية والالتزامات، حيث أن مشكلة في واحدة من المؤسسات البنكية المجمعة يمكن أن تؤثر على القطب الجديد بأكمله”.
وفي هذا السياق، تثار تساؤلات حول مدى توفر الوكالة الوطنية لتدبير المساهمات الإستراتيجية للدولة على رؤية واضحة بشأن آفاق نشاط القطب البنكي والمالي العمومي المزمع إحداثه.
وأشار أحمد مرجاني، مستشار مالي وخبير في الهندسة المالية وتسيير المنشآت الكبرى، إلى أن غياب رؤية واضحة قد يجعل إدارة المخاطر غير فعالة، ما يزيد من احتمالية تعرض القطب البنكي والمالي الجديد لأزمات مالية.
وأشار مرجاني إلى أن القطب المالي المستقبلي يمكن أن يستفيد من خبرة “القرض الفلاحي” في تمويل القطاع الفلاحي، وخبرة القرض العقاري والسياحي في العقارات، وخبرة “البريد بنك” في الخدمات البنكية لذوي الدخل المنخفض، فيما سيقدم صندوق الإيداع والتدبير خبرته في الائتمان الاستثماري والتمويل.
وأكد أن “القطب يمكن أن يدمج صندوق التجهيز الجماعي”، وأن “الكيان الجديد سيتيح تعبئة إمكانيات مالية كبيرة”، مستدلاً على تقديرات تشير إلى أن أصول القطب البنكي والمالي العام قد تصل قيمتها إلى 319 مليار درهم، ما يستدعي التخطيط الجيد والتنفيذ المدروس لهذا المشروع الضخم.