فومو .. كيف يؤذي القلق من فوات الفرص المستثمرين في سوق الأسهم؟
“عُد بذاكرتك إلى بداية عام 2020، عندما لم نكن نستخدم كلمة فيروس كورونا مطلقًا، وإذا كنت قد استثمرت 1000 دولار في صندوق لتتبع سوق الأسهم العالمية في تلك اللحظة التي سبقت كوفيد، ثم تجاهلت كل ما قرأته أو رأيته بينهما، فستبلغ قيمة ما استثمرته بين مارس 2020 ونوفمبر 2021 قرابة 1340 دولارًا، أي بربح أكثر من 30% في أقل من عامين”.
هذا ما يؤكده “توم ستيفانسون” مدير الاستثمار في مجموعة “فيديلتي” لإدارة الأصول، حيث يشير إلى أن تصرف الأسواق بحالة من غياب المنطق مثلما حدث في عامي كورونا هو من أهم محفزات ظاهرة “فومو” أو “القلق من ضياع الفرصة” (أو من فوات الفرصة أو الأخبار أو أي شيء)، لأن كثيرين رأوا في الاستثمار فترة كورونا مثلا فرصة بينما كان يجب أن يكون خطرًا ودافعاً للتحوط.
اليقظة الدائمة
وبسبب غياب المنطق هذا فإن كثيرين لا يعرفون متى تأتي الفرصة وكيف تأتي تحديدًا ولذلك يشعرون بأن عليهم البقاء متيقظين طيلة الوقت، وفي سوق الأسهم يكون ذلك بوضع الأعين بشكل مستمر على الشاشات والانخراط في التداول اللحظي (الساخن) سعيًا للحاق بالفرص المختلفة.
ولأن 80-90% يدخلون سوق الأسهم سعيًا للربح السهل والسريع وبلا مجهود فإنه يسهل أن يقع كثير منهم فريسة لظاهرة “فومو” حيث يكون هاجسهم الأكبر هو تجنب تفويت أي فرصة للربحية وعدم الوقوع في براثن أي خسارة، وبالتالي يبقون أعينهم على الشاشات دون خطط أو معارف حقيقية.
ويقول “ستيفانسون” إن الكثير من مديري الاستثمار ومعاونيهم أصبحوا ينقادون –بإرادتهم أو مضطرين- مع ظاهرة “فومو” فعندما يجدون مستثمرون كل همهم عدم إضاعة الفرصة فإن النتيجة تكون تجاهل الأسواق لعامين كاملين لكارثة وجود وباء عالمي واستمرارها في الارتفاع، مضيفا: “بدا كما لو أن وباءً لم يحدث إطلاقًا في السوق”.
الانتباه متأخرًا
ومن بين أحد أبرز الأمثلة على مسألة الخوف من فوات الفرصة كان سهم “إي تويز” والتي كانت إبان فقاعة “دوت كوم” إحدى الشركات الناشئة التي تعمل في مجال بيع لعب الأطفال عبر الإنترنت
ففي أول جلسة تداول للشركة في عام 1999 قفز السهم من 20 دولاراً إلى 78 دولاراً، وذلك وسط تفاؤل عام بمستقبل الشركات التكنولوجية، لا سيما تلك التي تسعى لتقديم أفكار مبتكرة -بمقاييس ذلك الوقت- وعلى الرغم من تحقيق الشركة خسائر كبيرة للغاية مقارنة بإيراداتها (بنسبة فاقت 95%) إلا أن سهم الشركة استمر في الارتفاع ليبلغ 84 دولارًا.
فمتى بدأت الأسواق في القلق حول سهم “إي توينز”؟ بعدما قرر عدد من مؤسسي الشركة بيع أسهمهم فيها وتسربت تلك المعلومات مع استمرار البيانات المالية السيئة، وأدى هذا لانخفاض سعر السهم إلى 9 سنتات في خلال عامين، قبل أن تفلس الشركة بشكل تام.
لماذا يتضاعف مؤشر 7 مرات؟
الشاهد أن السوق الأمريكية تم ضربها بشدة بفعل الأزمة المالية العالمية، حتى إن مؤشرها الرئيسي، “ستاندرد أند بورز 500” وصل لمستوى 770 نقطة في فبراير 2009، وبعد مرور 15 عامًا على هذا التاريخ وفي 5 يونيو بلغ المؤشر مستوى قياسياً 5354 نقطة أي أن المؤشر تضاعف 7 مرات تقريبًا.
ولا شك أن الكثير من المؤشرات تغيرت بين التاريخين وأهمها مؤشر ثقة المستهلك والتشغيل وقوة الدولار ولكن مؤشرات أخرى مثل الديون عادت لتصبح مقلقة مجددًا، كما أن الأهم هو السؤال: هل الفارق بين الوضع في 2009 من حيث قوة القطاعات وأدائها وأصولها يصل إلى 7 أضعاف؟ الإجابة لا بالطبع لكنها ظاهرة “فومو” تضغط السوق صعودًا أو هبوطًا.
وللتدليل على ذلك، فإن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة كمؤشر كان حوالي 14.5 تريليون دولار عام 2009، ووصل إلى 25 تريليون دولار تقريبا عام 2022 أي بزيادة 70% تقريبا، وليست الزيادة 7 أضعاف بأي حال من الأحوال بما يعكس مبالغة كبيرة في الخوف في 2009 وفي الطمع في 2024 (بالطبع ليس الناتج المحلي الإجمالي مؤشرا وحيدا لكنه هام للغاية عند تتبع مؤشر السوق العام على فترة طويلة).
فومو عبر التاريخ
في أواخر الأربعينيات وبعد الكساد الكبير والحرب العالمية الثانية، كان مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” قد تراجع عن قمته بنسبة 46%، وبعد 20 عاماً من الصعود ارتفع المؤشر عن قمته السابقة بنسبة 88%.
أما في عام 1982، وبعد الدمار الاقتصادي الذي خلفه الركود التضخمي في السبعينيات، كان المؤشر أقل من قمته بنسبة 53%، وفي عام 2000 بلغ ذروته بصعوده بنسبة 104% عن القمة التي فقدها بفل الركود.
ولذلك يرى كثيرون أن الحديث عن وصول مؤشر “ستاندرد أند بورز 500” إلى 8000 نقطة لا يبدو مستهجنًا للغاية في ظل أن التجارب التاريخية تعكس ارتدادات كبيرة بنسبة تفوق كثيرًا الهبوط في كل مرة يهوي فيها السوق الأمريكي، وهو ما لم يحدث حتى الآن بنفس النسب منذ انهيارات الأزمة المالية العالمية.
وفي كافة الحالات في الأربعينيات والثمانينيات ثم حاليًا فإن نسبة كبيرة من ارتفاع الأسواق يأتي بسبب ظاهرة “فومو” التي تدعو الأشخاص إلى اللحاق بالسوق المرتدة صعودًا، فبعد أن يجد بعض المتداولين في الشراء فرصة، ينضم إليهم آخرين بعد التأكد من أن السوق في سبيله للصعود فيؤدي الإقبال الكبير إلى صعود غير طبيعي ومبالغ فيه.
ولذلك كان آلان جرينسبان، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأسبق يحذر عام 1995 من “الوفرة غير العقلانية”، وربما يكون الشيء الوحيد الذي يمنع تكشّف هذه الوفرة غير العقلانية بانهيارات أكبر هو استمرار ضخ الأموال في أسواق الأسهم الأمريكية طمعًا في المزيد من الصعود.
والشاهد أن الفومو تساعد في تكون الفقاعات أيضا، فعندما تثبت الدراسات أن هؤلاء الذين ينقادون إلى موجات البيع والشراء سريعا -أي في غضون 3 أيام لشهر- تتراوح نسبتهم بين 40-60% فالسبب الرئيسي وراء ذلك، أنهم يبقون أعينهم على الشاشات بشكل مستمر.
فهذا الأمر يجعلهم يرقبون صعود سهم ما على مدار أكثر من جلسة بشكل لافت بما قد يدفعهم لشرائه وبالتالي دعم الوفرة غير العقلانية، أو ترقب هبوط سهم يملكونه لفترة بما قد يدفعهم لبيعه، بما يدعم بيع الهلع وفي الحالتين يكون في ذلك إيذاء للمتداول والمستثمر على حد سواء.
كيفية تلافي “فومو”
ويمكن القول إن الخوف والطمع هما أشهر مؤثرين سلبيين على المتداول أو المستثمر، والمشكلة في “الفومو” أنه يجعل من يعاني منه يكابد الشعورين سويًا ويتأثر بكليهما في أوقات مختلفة، فيما يلي ثلاثة أسئلة يجب أن تطرحها على نفسك إذا بدأت تشعر بالخوف من تفويت شيء ما:
أولاً: ما مدى واقعية توقعاتي؟ من المعقول أن نتوقع تحقيق سوق الأوراق المالية عوائد بأرقام فردية عالية (أي دون 10% ولكن ربما 6-9%) بمرور الوقت ولكن لا نتوقع استمرار ارتفاعات بنسب فوق ذلك باستمرار فحتى لو حدث ذلك سيكون استثناء وغالبا سيكون ارتفاعًا للأسباب الخاطئة.
ثانيًا: كيف سأشعر إذا قام السوق بالتصحيح أي بالهبوط؟ هل امتلك ما يكفي من الوقت كي أصبر على استثماراتي لفترة طويلة نسبيا حتى تتخطى هذه الفترة التي ينخفض فيها السوق أم أن علي اتباع طريقة الدخول والخروج المتكرر من السوق بما فيها من خسائر شبه مؤكدة؟
ثالثا: إذا ألحت علي أفكار التداول في الأسهم عالية الخطورة أو الأسهم الرخيصة أو أسهم الميم أو حتى العملات الرقمية، هل أنا مستعد لخسارة هذه الأموال في ظل صعوبة توقع العوامل المؤثرة على هذه الاستثمارات؟
ويجب تذكر أن “فومو” تدفع المتداولين إلى أخطاء رئيسية وكبيرة ومنها الاستثمار في الفقاعات ومحاولة توقيت السوق فضلا عن الأضرار النفسية الكبيرة بسبب الضغط العصبي المتواصل من متابعة السوق بشكل مستمر وعلى مدار الساعة.
وفي النهاية تشير “شيل تاركل” مؤلفة كتاب “وحيدون معا” إلى أن الإشكالية في التعامل مع “فومو” أن كثيرين من المصابين به، إما لا يعرفون أنهم مصابون، أو ينكرون ذلك، وهذا ما يفسد عليهم أي فرصة لتلافي آثاره، وتقول تاركل: “الغالبية لا يعترفون أصلًا بوجود مشكلة رغم إحساسهم الشديد بها، وكيف تحل مشكلة لا تعترف بوجودها من الأساس؟”.