قوى الهدم الخلاقة .. نحو فهم أفضل للرأسمالية
– لقد صرنا نشهد إخفاقات الرأسمالية الحديثة وقد تجسدت في ظل اتساع فجوة عدم المساواة، وتفشي حالة الركود في أعقاب الأزمة المالية، وعدم كفاية الاستجابات لمواجهة تغيّر المناخ وجائحة كورونا.
– ولا تقدم الأحزاب السياسية التي تزيد الاستقطاب سوى فرصة الاختيار بين الرؤى المختلفة لدولة أقوى، ويبدو أن الكل قد أجمع تقريبا على أن هذا هو الوقت المناسب لتوجيه ضربة قاصمة للشركات التكنولوجية العملاقة.
– في كتاب “قوى الهدم الخلاقة: الاضطرابات الاقتصادية وثروات الأمم”، يرى المؤلفون فيليب أجيون، وسيلين أنتونين، وسايمون بونيل أننا كنا نفكر في هذا الأمر بشكل خاطئ تمامًا.
– ففي نموذج الاقتصاد الكلاسيكي المحدَّث الذي يتسم بقوة تأثيره، يوجد مصطلح غامض يُعرف باسم “الإنتاجية الكليّة لعوامل الإنتاج” هو الذي يتحكم في مدى كفاءة الاقتصاد في تحويل المدخرات مثل رأس المال والعمالة إلى مخرجات.
– وهكذا تظل أسرار النمو طويل الأجل حبيسة “الصندوق الأسود” الذي يكتنفه عدم الوضوح، ويستند هذا الكتاب إلى برنامج للبحث الأكاديمي استمر على مدار عقود طويلة استعان به المؤلفون في فتح هذا الصندوق الأسود.
– وعلى خطى الاقتصادي جوزيف شومبيتر الذي ينتمي لبدايات القرن العشرين، يؤكد المؤلفون أن النمو يتحقق عندما يبتكر رواد الأعمال، فيخلقون سلعا جديدة ويرفعون مستوى الإنتاجية لكنهم في الوقت نفسه يتسببون في هدم الوظائف والشركات القائمة.
– ولو أن التاريخ الاقتصادي بالنسبة لتوماس بيكيتي هو قصة “أنظمة عدم المساواة” -كما ورد في كتابه “رأس المال والأيديولوجيا”- فإن التركيز هنا ينصب على النمو ومنافعه.
– وبفضل نمو الإنتاجية المستمر، شهد العالم زيادات ملحوظة في مستوى الرفاهية منذ الثورة الصناعية، كما انخفضت معدلات عدم المساواة العالمية، ويعزى السبب في ذلك إلى النمو في الصين والهند والعديد من بين الاقتصادات النامية الأخرى.
– وبالنسبة لأجيون وزملائه، فإن ازدياد النمو -وتحسن جودته- هو الحل الأمثل لمشكلاتنا الراهنة، ويفسر نموذج “الهدم الخلاق” كيفية تحقيق ذلك.
– فأسواق الصادرات تكافئ الأكثر ابتكارا، بينما تجلب الواردات والاستثمار الأجنبي المباشر أفكارًا جديدة وتجلب المنافسةَ التي تحفز أفضل الشركات على مواصلة رفع كفاءتها.
– وتوفر الأسواق المالية النشطة رأس المال الذي تحتاجه الشركات الجديدة الناجحة للازدهار والتوسّع. ومكافحة تغيّر المناخ تستدعي القيام بثورة تكنولوجية خضراء.
– وفي هذا السياق ينبغي تقبُّل قدر كبير من انعدام المساواة بل الاحتفاء به باعتباره ضريبة تحفيز الابتكار.
– ويمثل نموذج الهدم الخلاق كذلك عاملا مساعدًا لتوجيه مسار السياسات الاقتصادية.
– يتعين على الحكومات حماية براءات الاختراع، وتجنب الإفراط في فرض الضرائب، وتوفير مظلة حماية للأطراف الخاسرة جراء الجزء الهدام في عملية الهدم الخلاق، وتزويد أسواق العمل المرنة بسياسات سوق العمل “النشطة” لمساعدة المواطنين في العثور على وظائف جديدة، ودعم الأبحاث الأساسية.
– غير أن كتابا بمثل هذا النطاق الواسع سيثير حتما التساؤلات، هل سياسات سوق العمل “النباتية المرنة” كافية بالفعل لتلبية احتياجات الخاسرين من جراء الهدم الخلاق؟
– وهل تواجه الصين “فخ الدخل المتوسط” المتمثل في إخفاق التحول إلى النمو المدفوع بالابتكار، كنتيجة جزئية للاختلال بين قوى الدولة والسوق والمجتمع المدني، وفقًا لما يشير إليه هذا الكتاب؟
– بيْد أن هذا الكتاب لا يهدف للإجابة عن كل هذه التساؤلات وإنما توجيه اهتمامنا إلى الاتجاه الصحيح، فالاستعارات المجازية تعمل على توضيح رؤيتنا للأمور.
– ولكن عبارة “اليد الخفيّة” لا تبدو كافية للتعبير عن التحديات التي تواجهنا اليوم، كما أن عبارة “الهدم الخلاق” لا تشجع على فهم القضية، ولكن هذا الكتاب يطرح الحجج القوية والتي يمكننا الاسترشاد بها لفهم الرأسمالية بشكل أفضل.