الاقتصادية

هل انتهى عهد الدولار؟ البيانات تُشير إلى تغيرات في عالم العملات

منذ بداية القرن الحادي والعشرين، وعند كل صدمة اقتصادية أو جيوسياسية عالمية، يتجدد النقاش حول “احتمال نهاية سطوة الدولار” على النظام العالمي، ووقف استخدامها كأداة للتبادل التجاري والتمويل والاحتياط وحتى كوسيلة للعقاب السياسي.

وكان الجدال حول هذا الاحتمال أكثر سخونة في السنوات القليلة الماضية، مع تزايد حدة التوترات بين الغرب بقيادة أمريكا، والمعسكر الشرقي الذي يتشكل في أغلبه من الصين وروسيا، اللتين تتخذان إجراءات فعلية لإنهاء “الدولرة”.

في مارس الماضي، كشف نائب رئيس الوزراء الروسي “ألكسندر نوفاك” عن أن صناعة النفط والغاز الوطنية تسوي 80% من عملياتها بالروبل واليوان، مشيرًا إلى أن حصة الدولار واليورو انخفضت بالفعل إلى “الحد الأدنى”.

وأضاف “نوفاك” أن العديد من الدول تتحول إلى التعامل بالعملات الوطنية للتخلص من “الدولرة”، وأن 90% من التسويات بين بلاده والصين جرت بالعملات الوطنية في 2023.

لكن هل من الممكن فعلًا في ظل الضغوط المتزايدة التي تشكلها الصين وروسيا لجذب بلدان أخرى إلى معسكر “إنهاء الدولرة”، أن تنزع الدولار عن عرشه كمحرك للنظام العالمي؟

التجربة تشهد

– في الواقع، مر الدولار باختبارات عدة منذ منتصف القرن العشرين، بما في ذلك تدخلات عسكرية واسعة النطاق، وحروب باردة، وأزمات دبلوماسية، وانهيارات الأسواق، وخلافات سياسية داخلية، وحتى ضغوط تضخمية حادة، والأوبئة.

– حتى المخاوف التي حذر منها كثيرون عندما تولى “دونالد ترامب” مقاليد الحكم في الولايات المتحدة، بما في ذلك القلق من النزاعات التجارية وتدهور العلاقات الدبلوماسية مع الحلفاء، كل ذلك لم يؤثر بشكل جوهري على مكانة الدولار العالمية.

 خلال معظم فترات القرن الماضي، كان الدور البارز للدولار عالميًا مدعومًا بحجم وقوة الاقتصاد الأمريكي، واستقراره وانفتاحه على التجارة وتدفقات رأس المال، وحقوق الملكية القوية ورسوخ الدولة داخليًا وقدرتها على تجاوز الصدمات.

– نتيجة لذلك، يقول الاحتياطي الفيدرالي في ورقة بحثية، إن عمق وسيولة الأسواق المالية في الولايات المتحدة “لا مثيل لها”، وهو ما يبرر المعروض الكبير من الأصول الآمنة للغاية المقومة بالدولار.

العالم بعد الحرب الروسية وكوفيد

– كان من المتوقع أن تؤدي العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية على روسيا ردًا على غزو أوكرانيا في فبراير 2022، إلى إضعاف قبضة الدولار على النظام المالي العالمي.

– لكن هذا لم يحدث، وبدلاً من ذلك، ما زال الدولار مهيمنًا الآن تمامًا كما كان قبل عامين، إن لم يكن أكثر، وفقًا للبيانات التي تظهر أن العملة الأمريكية توسع نفوذها في بعض الجوانب خلال الفترة القليلة الماضية.

يقول الفيدرالي إن الاهتمام بالدولار تجدد في “عالم ما بعد كوفيد”، وإن الاستخدام الدولي له لم يتغير بشكل أساسي خلال السنوات الخمس الماضية، وإنه يلعب الدولار دورًا كبيرًا في مجالات الابتكار المالي حيث يعد المرساة المهيمنة للعملات المستقرة.

– قال “بريان بروكس” عضو مجلس إدارة مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية السابق، إن دعم العملات المستقرة يصب في النهاية في مصلحة الدولار، نظرًا لارتفاع الطلب على المنتجات المقومة بالدولار في البلدان التي يرتفع بها التضخم.

– يظهر من الشكل السابق أن حصة الدولار من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية كانت مستقرة في السنوات الماضية، وحتى الانخفاض (المحدود) كان لصالح ارتفاع حصة اليورو، ومع ذلك، لا يزال الفارق بينهما كبيرًا جدًا ويتطور ببطء.

– كان انخفاض حصة الدولار من 71% عام 2000 إلى ما هي عليه اليوم، مدفوعًا بشكل أساسي بإضافة مديري الاحتياطيات الأجنبية مجموعة واسعة من العملات الأصغر إلى محافظهم، بما في ذلك الدولار الأسترالي والدولار الكندي.

العملة الأقوى في العالم

– يتشكل الجزء الأكبر من الاحتياطيات الرسمية بالدولار في شكل سندات خزانة أمريكية (هي أيضًا أحد أصول الملاذات الآمنة) والتي يزداد الطلب عليها من قبل المستثمرين الأجانب الرسميين وفي القطاع الخاص.

– اعتبارًا من نهاية عام 2022، كان الأجانب (من القطاعين الخاص والحكومي) يمتلكون 7.4 تريليون دولار أو 31% من سندات الخزانة، في حين امتلك المستثمرون المحليون من القطاع الخاص 48%، و21% كانت لدى نظام الاحتياطي الفيدرالي.

على الرغم من أن حصة سندات الخزانة التي يحتفظ بها المستثمرون الأجانب انخفضت من نحو 50% عام 2014، فإنها الآن يمكن مقارنتها على نطاق واسع بحجم الأسهم المملوكة للأجانب في منطقة اليورو واليابان والمملكة المتحدة، وفقًا لبيانات الفيدرالي.

– مع ذلك، ووفقًا لمؤشر استخدام العملات الدولية، فإن الدولار هو “العملة الأقوى عالميًا”، حتى أنه أقوى مما كان عليه قبل عقدين من الزمان، وبفارق واسع مع اليورو، فيما لا يزال نفوذ اليوان (الرنيمبي) بعيدًا عن المنافسة رغم تقدمه الملحوظ.

– يحسب المؤشر قوة العملة عبر المتوسط المرجح لخمسة مقاييس هي؛ احتياطيات العملة الرسمية، وحجم المعاملات الأجنبية، وأدوات الدين بالعملة الأجنبية، والودائع عبر الحدود، والقروض عبر الحدود.

التجارة وأدوات الدين

– رغم أن قوة الدولار مستمدة بشكل كبير من نفوذ الولايات المتحدة كدولة ذات تأثير اقتصادي وسياسي وعسكري، فإن تغلغله في حركة التجارة والمعاملات المالية واستخدامه كأداة استثمارية؛ عوامل رئيسية تمنحه المزيد من الأهمية وتجعل عملية التخلص منه بعيدة عن الواقع الآن.

– يعد الدولار بأغلبية ساحقة العملة الأكثر استخدامًا في العالم في التجارة العالمية، كما يظهر من الشكل السابق الذي يعكس تقديرات حصة الدولار بالنسبة المئوية من فواتير التجارة العالمية.

– دور الدولار كعملة احتياط رئيسية وفي حركة التجارة ونفوذه بشكل عام، يفسر سبب ميل الشركات حول العالم إلى إصدار الديون بالعملة الأمريكية، التي تمثل لها مفتاحًا لأبواب الاستيراد والتوسع في الخارج، وربما تحوطًا ضد الاضطرابات غير المرغوبة.

هل تستمر سطوة الدولار للأبد؟

– أظهر استطلاع لمنتدى المؤسسات المالية والنقدية الرسمية، في يونيو الماضي، أن البنوك المركزية تتوقع انخفاضًا تدريجيًا في حصة الدولار من الاحتياطيات العالمية خلال العقد المقبل، لكن مع استمرار هيمنته عليها رغم تنامي الدعوات إلى إيجاد بدائل.

– يقول الفيدرالي في ورقة بحثية نشرها العام الماضي، إن التحديات التي تواجه هيمنة الدولار على المدى القريب “محدودة”، وإن التاريخ الحديث لم يشهد سوى حالة واحدة من التحول بعيدًا عن العملة المهيمنة وذلك عندما استُبدل الجنيه الإسترليني بالدولار.

– مع ذلك، حذر من خطر يهدد الوضع الدولي للدولار على المدى الطويل، وذلك بسبب استخدام واشنطن العملة الأمريكية كأداة لمعاقبة خصومها السياسيين، بالإضافة إلى التكامل الأوروبي الذي يجعل اليورو أبرز المرشحين المحتملين لاستبدال الدولار حتى الآن.

– كما أشار أيضًا إلى أن النمو السريع للاقتصاد الصيني يشكل تهديدًا للدولار على المدى الطويل، حتى وإن كان نفوذ اليوان حتى الآن محدودًا، نظرًا لدور البلد الآسيوي الكبير في حركة التجارة.

– الخلاصة أنه في ظل غياب أي تغييرات سياسية أو اقتصادية واسعة النطاق تضر بقيمة الدولار كمخزن للقيمة أو كوسيلة للتبادل، وتعزز في الوقت نفسه جاذبية البدائل من العملات، فمن المرجح أن يظل الدولار العملة الدولية المهيمنة عالميًا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى