وسط اندفاع عالمي للتنقيب عنه .. ما هو الهيدروجين الأبيض؟
يعد الهيدروجين أحد مصادر الطاقة البديلة المتعددة التي يمكنها المساهمة في الجهود العالمية للتحول بعيداً عن الوقود الأحفوري، وذلك رغم الاعتماد في إنتاج معظمه على الفحم والغاز الطبيعي لتقسيم الماء إلى عنصريه الأساسيين، الأكسجين والهيدروجين، في عملية ينجم عنها انبعاثات كثيفة لغازات الاحتباس الحراري.
رصدت “ريستاد إنرجي” تزايد الإقبال على استكشاف مورد تجاهله العالم لفترة زمنية طويلة، ألا وهو الهيدروجين الجيولوجي، أو ما يُطلق عليه أيضاً الهيدروجين الأبيض، والذهبي، والطبيعي، حيث يرى العديد من أنصاره أن بإمكانه لعب دوراً هاماً في تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري.
يشير مصطلح الهيدروجين الجيولوجي أو الأبيض إلى غاز الهيدروجين المتواجد تحت سطح الأرض في صورته الطبيعية، ويعتقد العلماء أنه يتولد نتيجة التفاعل بين الماء والمعادن الغنية بالحديد في وسط مرتفع الحرارة في باطن الأرض.
وأظهرت دراسات صدرت عن “ريستاد إنرجي” النرويجية في وقت سابق هذا الشهر، أن عدد الشركات التي تبحث عن رواسب الهيدروجين الطبيعي بصورة نشطة بلغ 40 شركة في نهاية العام الماضي، ارتفاعاً من 10 شركات فقط في عام 2020.
ووصفت الشركة عمليات البحث هذه بأنها “اندفاع وراء الذهب الأبيض”، وقالت إن هذه الجهود تنجم عن الآمال المتعلقة باحتمال أن يصبح المورد غير المُستغل بعد عاملاً محورياً في جهود التحول للطاقة النظيفة.
تاريخ اكتشافات الهيدروجين الأبيض
اكتُشف الهيدروجين الأبيض لأول مرة في عام 1987 بقرية صغيرة تبعد قرابة 60 كيلومتراً من باماكو عاصمة مالي، حين تسببت عملية فاشلة للتنقيب عن المياه بواسطة شركة “هيدروما” الكندية في تصاعد كميات وفيرة من غاز عديم الرائحة تبين أنه شديد الاشتعال، ليتم إغلاق البئر ونسيانه بعد ذلك.
وتم اكتشاف خزانات جيولوجية تحتوى كميات من الغاز على درجة عالية من النقاء في نفس الموقع بعد عقدين من الزمن، في حين بات يُستخدم هذا المورد الجديد بالفعل في توليد الكهرباء لإحدى القرى في مالي في الوقت الراهن.
اكتشف الباحثون العام الماضي ما يعتقد أنه أكبر مخزون طبيعي من الهيدروجين الجيولوجي على مستوى العالم في منطقة “لورين” شرق فرنسا.
وقال “جيفري إليس” الباحث الجيولوجي في برنامج موارد الطاقة التابع لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية في تصريح لشبكة “سي إن بي سي”، إنه بناء على المعلومات المتوفرة حالياً، من المحتمل أن يتواجد قرابة 5 تريليون طن متري من الهيدروجين الأبيض في الخزانات الجوفية حول العالم.
لكنه أشار إلى أنه من المرجح أن تتواجد هذه المخزونات على أعماق كبيرة جداً في باطن الأرض أو بعيداً عن الشواطئ بحيث يصعب استخراجه على نحو اقتصادي، ورغم ذلك، أضاف أن يجب ضخ مزيد من الاستثمارات لتسريع وتيرة البحث والتطوير في المراحل المبكرة للاكتشافات.
أوضح “مينه خوي لي” رئيس أبحاث الهيدروجين في “ريستاد” أنه في حالة ثبوت صحة بعض التقديرات التي أعلنتها بعض المعاهد على غرار هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية حول الكميات المحتملة من الهيدروجين الأبيض، فهذا من شأنه لعب دوراً هاماً للغاية في مسألة تحول الطاقة.
الآفاق المستقبلية لأعمال استكشاف الهيدروجين الأبيض
أعرب عدد من المتخصصين عن شكوكهم حول الإمكانات التي قد يوفرها الهيدروجين الطبيعي في ملف الطاقة النظيفة، حيث وصفت “آنا ماريا جالر-ماكارويتز” محللة الطاقة في معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي؛ الإقبال على البحث عنه بأنها رغبة في الركض قبل تعلم المشي.
وأشارت إلى أن الأولوية الأهم في المدى القريب يجب أن تكون البحث عن سبل لاستبدال ما يسمى بالهيدروجين الرمادي بالهيدروجين الأخضر.
يتمثل الهيدروجين الرمادي في وقود الهيدروجين الذي يتم إنتاجه استخدام الغاز الطبيعي، ويعد الأسلوب الأكثر شيوعاً لإنتاج الهيدروجين على مستوى العالم، وتشير تقديرات صندوق الكربون “ذا كربون تراست” الذي أسسته الحكومة البريطانية، إلى أن أقل من 1% من الإنتاج العالمي من الهيدروجين يعد خالياً من الانبعاثات.
وأعلن تحالف علوم الهيدروجين –مجموعة من الأكاديميين والعلماء والمهندسين تسعى لتقديم وجهة نظرها حول دور الهيدروجين في تحول الطاقة- في مدونة بتاريخ الرابع عشر من مارس، أن الكميات المكتشفة من الهيدروجين الجيولوجي تكفي لإمداد العالم بكمية من الطاقة أقل مما تولده توربينة رياح واحدة يومياً.
وذكر التحالف أن هناك مخاوف بيئية تتعلق بعمليات الاستخراج، وأن تحديات النقل والتوزيع تعني أنه من غير المرجح العثور على الهيدروجين الجيولوجي في الأماكن التي تشتد الحاجة إليه.
وأضاف انه بالنظر للنتائج التي تم التوصل إليها حتى الآن “وما نعرفه عن أنظمة الهيدروجين الجيولوجية، وحقيقة أن الظروف المواتية تبدو نادرة” فإن احتمالات العثور على الهيدروجين الجيولوجي الذي يمكن استخراجه على غرار مشروعات الغاز الطبيعي الكبرى تبدو ضئيلة نسبياً.