هل يُقرر الفيدرالي الأمريكي عدم خفض الفائدة نهائيًا خلال العام الحالي؟
أرسل مجلس الاحتياطي الفيدرالي برسائل طمأنة للمستثمرين في الأسبوع الماضي، بعد أن تمسك بتوقعاته لمسار السياسة النقدية في العام الجاري.
لكن توقعات الفيدرالي لم تمنع بعض المحللين من الحديث عن احتمالية عدم خفض الفائدة الأمريكية نهائياً في 2024، مع استمرار التضخم المرتفع والاقتصاد القوي.
الفيدرالي يحافظ على المسار
– قرر الفيدرالي تثبيت معدلات الفائدة للاجتماع الخامس على التوالي عند نطاق 5.25% و5.5%، وهو أعلى مستوى منذ أكثر من 22 عاماً.
– تمسك أعضاء الفيدرالي الأمريكي بتوقعاتهم لخفض معدلات الفائدة ثلاث مرات في عام 2024، وهي نفس التقديرات الصادرة بعد اجتماع ديسمبر الماضي.
– لا يزال 10 من بين 19 مسؤولاً في الفيدرالي يرون إمكانية لخفض الفائدة بنحو 75 نقطة أساس على الأقل بحلول نهاية العام الجاري، رغم بيانات التضخم التي جاءت أعلى من المتوقع مؤخرًا.
– لكن أعضاء البنك خفضوا توقعاتهم لعدد مرات خفض الفائدة في عام 2025 إلى ثلاث عمليات خفض بدلاً من تقديراتهم السابقة بأربع عمليات.
– على جانب موازٍ، رفع الفيدرالي توقعاته للنمو الاقتصادي والتضخم الأساسي في العام الجاري، متوقعًا نمو الاقتصاد 2.1% في 2024 من تقديراته السابقة عند 1.4%.
– كما يتوقع الفيدرالي وصول معدل البطالة إلى 4% بحلول نهاية هذا العام، ما يعتبر قرب المستوى الحالي البالغ 3.9%.
– على جانب التضخم، رفع البنك توقعاته لمؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي إلى 2.6% هذا العام من 2.4% سابقاً.
– قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي “جيروم باول” إن البيانات الأخيرة للتضخم والتي جاءت أعلى من التوقعات لم تغير “القصة الرئيسية” لتباطؤ الأسعار في الولايات المتحدة.
– بشأن موعد خفض الفائدة، قال “باول” إنه سيتوقف على شعور مسؤولي الفيدرالي بالثقة حيال اتجاه التضخم للتباطؤ نحو المستهدف البالغ 2%، حتى رغم استمرار قوة الاقتصاد التي تتجاوز التوقعات.
– لكن رئيس الفيدرالي شدد على أنه في حال عدم وجود بيانات تدعم الثقة بشأن استمرار تباطؤ التضخم، فإن البنك سيحافظ على معدلات الفائدة المرتفعة ما لزم الأمر، مشددًا على أن البنك لا يزال بحاجة إلى مزيد من البيانات لتغيير سياسته.
الأسواق تقلص توقعاتها
– شهدت توقعات الأسواق المالية بشأن موعد ووتيرة خفض الفائدة الأمريكية حالة من التقلبات الحادة خلال الأسابيع الأخيرة.
– كانت الأسواق تتوقع في وقت سابق من هذا العام سبع عمليات خفض للفائدة الأمريكية في عام 2024، ما جعلها أعلى كثيرًا من تقديرات الفيدرالي التي تشير إلى ثلاث عمليات خفض فحسب.
– لكن أداة “فيد واتش” أشارت مؤخرًا إلى تراجع توقعات المستثمرين إلى 3 عمليات خفض من جانب الاحتياطي الفيدرالي في العام الجاري.
– تسعر الأسواق احتمالية تتجاوز 70% لقيام الفيدرالي ببدء خفض الفائدة في اجتماع يونيو المقبل، بحسب أداة “فيد واتش”.
– جاء التحول في توقعات الأسواق بعد موجة من التصريحات الحذرة من مسؤولي الفيدرالي، بالإضافة إلى بيانات أفضل من المتوقع مرتبطة بالنمو الاقتصادي وسوق العمل والتضخم.
رؤية رسمية حذرة
– يعتبر خفض معدلات الفائدة الأمريكية ثلاث مرات في العام الجاري هو السيناريو الأساسي لكل من الفيدرالي والأسواق المالية.
– لكن هناك بعض الأصوات التي ترى احتمالات أخرى لمسار السياسة النقدية، ما يشمل عدد مرات أقل لخفض تكاليف الاقتراض.
– بعد ساعات من اجتماع الفيدرالي الأخير، أشار رئيس البنك في أتلانتا “رفائيل بوستيك” إلى أنه يتوقع عملية خفض واحدة فقط لمعدلات الفائدة في العام الجاري، بدلاً من عمليتي خفض كان قد توقعهما سابقًا.
– برر “بوستيك” توقعاته المحدثة بالتضخم المستمر عند مستويات مرتفعة، والبيانات الاقتصادية التي تأتي أقوى من المتوقع.
– قال عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي: “حالياً، أصبحت أقل ثقة مما كنت عليه في ديسمبر حيال استمرار تباطؤ التضخم تجاه مستهدف البنك المركزي عند 2%”.
– كان مؤشر أسعار المستهلكين الأمريكي قد سجل 3.2% في فبراير على أساس سنوي.
– كان رئيس الفيدرالي في مينابوليس “نيل كاشكاري” قد توقع أنه من المناسب خفض الفائدة الأمريكية مرتين أو ربما مرة واحدة فحسب في العام الجاري.
– برر “كاشكاري” توقعاته بالبيانات الاقتصادية القوية منذ بداية هذا العام والتضخم الأكثر رسوخًا من المتوقع، ما قد يتطلب بقاء الفائدة عند مستويات مرتفعة لفترة طويلة.
لا خفض نهائياً؟
– لم يكتف بعض المحللين بتوقعات خفض الفائدة الأمريكية بوتيرة أقل من تقديرات الفيدرالي والأسواق، لكن عددا منهم أبدى اعتقاده بأن البنك قد لا يخفض تكاليف الاقتراض نهائياً في 2024.
– قال “شان رايثاثا” كبير الاقتصاديين في “فانجارد” إن السيناريو الأساسي للشركة يتمثل في عدم رفع الفائدة الأمريكية في 2024، ما قد يكون له تداعيات على البنوك المركزية والأسواق حول العالم.
– كما ذكر “مارك أوكادا” المؤسس المشارك لشركة “سيكامور تري كابيتال بارتنرز” أن هناك احتمالية ممكنة لعدم قيام الفيدرالي الأمريكي بخفض معدلات الفائدة في العام الجاري.
– أشار “أوكادا” إلى أن شركته لا تزال في الفريق الذي يتوقع بقاء معدلات الفائدة الأمريكية عند مستويات أعلى لفترة أطول.
– على جانب موازٍ، يرى “مادهافي أرورا” كبير الاقتصاديين في “إمكاي جلوبال فاينانشال” أن فرص خفض الفيدرالي الأمريكي لمعدلات الفائدة تتضاءل بشكل كبير، مع استمرار صعوبة خفض التضخم.
– قال المحلل إن هناك احتمالية مرتفعة لعدم خفض الفائدة الأمريكية على الإطلاق في العام الجاري، مع صعوبة “الميل الأخير” في طريق السيطرة على التضخم.
– يعتقد “أرورا” أنه مع بقاء التضخم في نطاق بين 2.5% و3%، فإن الفيدرالي قد يعود لسياسة منتصف التسعينيات والتي تتمثل في عدم اتخاذ المزيد من التدابير القوية ضد التضخم، لكن مع إبقاء السياسة مقيدة.
– كما يعتقد “تورستن سلوك” كبير الاقتصاديين في “أبولو جلوبال مانجمنت” أن الاقتصاد الأمريكي لا يتباطأ، وبالتالي لا يحتاج الفيدرالي لخفض معدلات الفائدة هذا العام.
– أشار “سلوك” إلى أن بعض مؤشرات التضخم الأمريكي في اتجاه صاعد، ما قد يجعل الفيدرالي يواصل معركته ضد التضخم في معظم العام الحالي.
– أوضح المحلل أن تضخم الأجور مستمر في نطاق 4% و5%، بالإضافة إلى سعي العديد من الشركات لزيادة الأسعار وسط التعافي المرتقب في سوق المنازل.
– من جانبه، قال كبير الاقتصاديين في أليانز “محمد العريان” إن الاحتياطي الفيدرالي يجب أن ينتظر لفترة أطول مما تتوقعه الأسواق من أجل خفض الفائدة.
– أشار “العريان” إلى أنه يعتقد أن مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي بحاجة إلى تأجيل الإطار الزمني لخفض الفائدة “بضع سنوات”، مع الطبيعة الثابتة للتضخم.
– كان “العريان” قد حذر مرارًا من خطر قيام الفيدرالي بخفض الفائدة في وقت مبكر عن اللازم، ما قد يؤدي إلى خروج التضخم عن السيطرة مثلما حدث في سبعينيات القرن الماضي.
هل تتأثر الأسواق؟
– ساهمت رسائل الفيدرالي الأمريكي خلال اجتماعه الأخير وتمسكه بوتيرة خفض الفائدة المتوقعة في ارتفاع مؤشرات الأسهم لمستويات قياسية جديدة.
– صعد مؤشر “إس آند بي 500” أعلى مستويات 5200 نقطة للمرة الأولى على الإطلاق بعد بيان الفيدرالي، كما لامس “داو جونز” حاجز 39.900 ألف نقطة، قبل أن يتراجع قليلاً بنهاية تعاملات الأسبوع.
– لكن “شان رايثاثا” المحلل في “فانجارد” أشار إلى أن تأثير عدم خفض الفائدة على سوق الأسهم سيتوقف على سبب إحجام الفيدرالي عن القرار.
– أوضح “شان” أنه إذا كان عدم خفض الفائدة الأمريكية بسبب قوة الاقتصاد، خاصة النمو المدفوع بجانب المعروض والذي يعتبر مضادًا للتضخم، فإن سوق الأسهم قد يواصل الارتفاع.
– لكن المحلل أشار إلى أن “فانجارد” تعتقد أيضًا أن سوق الأسهم الأمريكي مبالغ في تقييمه حالياً.
– كما يعتقد “أرورا” أنه رغم حقيقة أن آمال خفض الفائدة تعتبر عاملاً مؤثراً في الأسواق، فإنه من غير المرجح حدوث انهيار للأصول في الأسواق الناشئة حال عدم خفضها من جانب الفيدرالي.
– توقع المحلل في “إمكاي جلوبال فاينانشال” أن يؤثر إلغاء الفيدرالي لخطط خفض الفائدة على البنوك الركزية الأخرى، لكنه استبعد أن تشهد الأصول الخطرة حالة من الانهيار.