شعبية الأسهم تتفوق على الودائع: ثورة الأفراد تمنح بورصة الدار البيضاء نمواً تاريخياً

لم تكن شاشات التداول في بورصة الدار البيضاء وهي تودع عام 2025 مجرد لوحات لعرض الأرقام، بل كانت توثق لحظة فارقة في تاريخ الاقتصاد المغربي الحديث.
فقبل أن تطوي السنة صفحاتها، نجحت السوق المالية المغربية في انتزاع اعتراف دولي كواحدة من أكثر الوجهات الاستثمارية جاذبية في القارة السمراء، محولةً العاصمة الاقتصادية إلى منصة عالمية استطاعت أن تكسر حاجز التوقعات وتفرض إيقاعها على خارطة المال والأعمال.
ولم يكن هذا الأداء السنوي مجرد طفرة عابرة أو أرقام إيجابية معزولة، بل كان انعكاسًا لتحوّل جذري في نمط التداول؛ إذ تحولت قاعة التداول في الدار البيضاء إلى مركز نابض بالحياة، يمزج بين طموح المستثمرين الأفراد وتحركات الصناديق الاستثمارية الضخمة التي لم تهدأ على مدار 12 شهرًا.
وفي خطوة تاريخية ستظل محفورة في ذاكرة الاقتصاد الوطني، تخطت القيمة السوقية للبورصة حاجز التريليون درهم، وهو رقم وضعها رسميًا ضمن نادي “أسواق النخبة” عالميًا.
هذا الإنجاز لم يكن رمزياً فحسب، بل كان “صك مصداقية” جذب المستثمرين السياديين والصناديق العابرة للقارات، لا سيما مع وصول مؤشر “مازي” (MASI) إلى ذروة تاريخية فوق 20,000 نقطة، مسجلاً نمواً سنوياً استثنائياً قدره 28.22%.
لقد تميزت السنة بطفرة غير مسبوقة في حجم التداولات، التي قفزت بنسبة 94% لتتجاوز 110 مليارات درهم. وكان التحول الأبرز هو بزوغ نجم “المستثمر الفردي”؛ حيث شهدنا توجه الأسر المغربية نحو الأصول المالية والأسهم كبديل للودائع التقليدية، مما أضفى طابعاً “شعبياً” على التداولات وجعل من أخبار البورصة حديثاً يومياً في الشارع المغربي.
وعلى مستوى الإدراجات الجديدة، شهد عام 2025 دخول ثلاث شركات استراتيجية هي: “Vicenne”، “كاش بلوس”، و”SGTM”، بقيمة إجمالية تجاوزت 6 مليارات درهم.
هذا النشاط مثل قفزة قياسية بنسبة 452% في قيمة الاكتتابات، مؤكداً أن البورصة استعادت دورها كركيزة أساسية لتمويل المشاريع الكبرى والمبادرات الوطنية الطموحة.
قطاعياً، أنهى 20 قطاعاً من أصل 24 السنة في المنطقة الخضراء، بينما حقق 11 قطاعاً نمواً تجاوز 100%. وتصدر قطاع البناء والأشغال العامة المشهد، مدفوعاً بالزخم الكبير لمشاريع البنية التحتية والاستعدادات المكثفة لـ “مونديال 2030″، مما منح مؤشر الدار البيضاء ميزة تنافسية كبرى أمام الأسواق الناشئة.
ورغم تسجيل تراجع طفيف بنسبة 5% في شهر نوفمبر نتيجة عمليات جني الأرباح الطبيعية، ظلت السوق مدعومة بمتانة النتائج المالية للشركات المدرجة التي نمت أرباحها بنسبة تجاوزت 5%.
إن سنة 2025 لم تكن مجرد أرقام على الشاشات، بل كانت المرحلة التي استعاد فيها الاقتصاد المغربي “رئته المالية” كاملة. ومع اقرار عام 2026، يبقى السؤال الجوهري: هل ستنجح البورصة في تحويل سقف التريليون درهم إلى أرضية ثابتة لانطلاقة جديدة؟ الأكيد أن قطار بورصة الدار البيضاء قد انطلق بسرعة فائقة، وأصبح من الصعب العودة إلى الوراء.




