المغرب يُزعزع العرش الزراعي لإسبانيا في السوق الأوروبية

في ظل تنامي التوترات التجارية بين ضفتي المتوسط، تشهد السوق الأوروبية للفواكه والخضروات تحولاً تاريخياً يهدد الهيمنة التقليدية لإسبانيا، التي بدأت تفقد سيطرتها لصاف المنتجات المغربية التي تغزو أرفف السوبر ماركت الأوروبية بأرقام قياسية.
فقد كشفت أرقام رسمية حديثة أن الواردات الأوروبية من المنتجات الزراعية المغربية قفزت بنسبة 71% منذ بدء تفعيل اتفاقية الشراكة بين الجانبين عام 2012، لتحول المغرب من منافس ثانوي إلى لاعب رئيسي يعيد تشكيل خريطة التوريد في القارة العجوز.
بحسب تقرير نشرته صحيفة “إل نويبو ديخيطال مورسيا” الإسبانية المتخصصة، فإن هذا التحول بلغ ذروته عندما فقدت إسبانيا للمرة الأولى موقعها التاريخي كأكبر مورد للطماطم داخل الاتحاد الأوروبي عام 2022، لتحل محلها المنتجات المغربية التي غزت السوق بأسعار أقل ومعايير إنتاج مختلفة.
وتعتبر جمعية “فيبكس” الإسبانية للمنتجين والمصدرين أن هذه الزيادة الكبيرة تمثل نموذجاً صارخاً لما تصفه بـ”المنافسة غير العادلة”، مشيرة إلى أن الفوارق الهائلة في تكاليف الإنتاج والمعايير الصحية والبيئية خلقت واقعاً جديداً يهدد استدامة الزراعة الأوروبية بأكملها.
يكمن أحد أسباب هذه الثورة الزراعية في الهوة الساحقة بين تكلفة اليد العاملة في الجانبين المتعارضين. فبينما يبلغ الحد الأدنى للأجر الساعي في إسبانيا 9.74 يورو، لا يتجاوز هذا الرقم 0.98 يورو في المغرب، أي أقل بعشر مرات، مما يمكن المنتجين المغاربة من تقديم أسعار تنافسية تشكل تحدياً وجودياً لنظرائهم الإسبان.
ولا تقتصر آثار هذه المنافسة على إسبانيا وحدها، بل تمتد إلى دول أوروبية أخرى مثل إيطاليا وبولندا، حيث بدأ المزارعون يشعرون بتداعيات هذا التحول في ميزان القوى الزراعية.
تشير البيانات إلى أن الواردات الأوروبية من الفواكه والخضروات المغربية ارتفعت من 831 ألف طن عام 2012 إلى 1.4 مليون طن حالياً، مع توقعات بمزيد من النمو في السنوات القادمة.
ويتجاوز تأثير هذا الغزو الزراعي قطاع الطماطم الذي شهد الضربة الأكبر، ليمتد إلى شتى أنواع المنتجات الزراعية، مما يثير مخاوف جدية حول مستقبل الزراعة التقليدية في جنوب أوروبا.
و في الوقت الذي تدعو فيه الجمعيات المهنية الإسبانية إلى مراجعة شروط اتفاق الشراكة ووضع معايير أكثر توازناً، تشهد بروكسل ضغوطاً متزايدة لإعادة النظر في سياساتها التجارية مع الدول الجنوبية.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن: هل ستتمكن إسبانيا وأوروبا من حماية قطاعها الزراعي التقليدي في مواجهة هذا التحدي غير المسبوق؟
أم أن أرفف السوبر ماركت الأوروبية ستستمر في التحول نحو المزيد من المنتجات المغربية والجنوبية، في مؤشر على تحول جيوسياسي أعمق يتجاوز المجال الاقتصادي ليلمس توازنات القوة في منطقة المتوسط؟
تبقى الإجابة مرهونة بالتفاوض القادم بين بروكسل والرباط، وبقدرة المزارعين الأوروبيين على التكيف مع واقع جديد قد لا يرحم من يتخلف عن مواكبة تحولاته الجذرية.




