انهيار الطاقة الروسية: كيف فقدت موسكو نفوذها التاريخي في الأسواق العالمية؟

يعيش قطاع الطاقة الروسي اليوم مرحلة حرجة، غير مسبوقة منذ نصف قرن، حيث تتفكك الروابط التي ربطت موسكو بأوروبا منذ عهد بريجنيف (1964–1982)، لتعود البلاد إلى حالة من العزلة الاستثمارية والتجارية تشبه بدايات العلاقات الطاقية مع الغرب.
العقوبات الدولية والانهيار الداخلي جعلت السوق العالمي يعيد رسم نفسه، حيث تتصدر الولايات المتحدة والنرويج ودول مصدرة أخرى المشهد، مستغلة الفرص لتعزيز مواقعها على حساب موسكو.
لم تقتصر الضغوط الأمريكية على البنية التحتية اللوجستية، بل استهدفت صلب صناعة الطاقة الروسية. فقد دخلت العقوبات على “روسنفت” و”لوك أويل” حيز التنفيذ الكامل في 21 نوفمبر، محولة النفط الروسي إلى سلعة شبه محرّمة حتى أمام الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة.
تراجعت عائدات النفط والغاز الروسي بنحو الثلث خلال نوفمبر مقارنة بالعام الماضي، مسجلة أدنى مستوياتها منذ بدء الحرب في أوكرانيا عام 2022.
وفي ظل تراجع الطلب من الهند والبرازيل وتركيا، تراكمت شحنات النفط على السفن بلا مشترين، ما اضطر الكرملين لتقديم خصومات كبيرة لتصريف المخزون.

تحاول “لوك أويل” بيع أصولها الدولية بقيمة 22 مليار دولار قبل انتهاء التفويض الأمريكي المؤقت في 13 ديسمبر، وهو الإجراء الاستثنائي الذي يسمح بالصفقات رغم العقوبات.
وتخلق هذه التحركات فرصًا هائلة للشركات الغربية والمستثمرين الأمريكيين للاستحواذ على أصول استراتيجية تمتد من العراق وكازاخستان وأذربيجان إلى المكسيك ومصر وغرب إفريقيا.
شهدت أوروبا تغييرات دراماتيكية: استحوذت بلغاريا على إدارة أنشطة “لوك أويل” وبدأت تصفية أصولها، فيما التزمت رومانيا بالعقوبات وأطلقت بيع مصفاة “بيتروتيل”.
واستولت مولدوفا على عمليات الشركة لضمان الوقود الجوي، بينما المجر وسلوفاكيا بقيتا العضوين الوحيدين في الاتحاد الأوروبي المستوردين للنفط الروسي عبر استثناء مؤقت.
كشفت بيانات 2025 أن “جازبروم” صدّرت 14.7 مليار متر مكعب من الغاز إلى أوروبا خلال الأشهر العشرة الأولى، أقل من مستويات 1975 التي بلغت 19.3 مليار متر مكعب، في إشارة واضحة على تراجع نفوذ موسكو في سوق الغاز الأوروبي.
تحولت “جازبروم” من عملاق مالي واستراتيجي إلى عبء اقتصادي، مع تسجيل خسائر صافية بلغت 1.076 تريليون روبل (12.89 مليار دولار) في 2024، أي ما يقارب 3 مليارات روبل خسائر يومية، بعد أول خسارة سنوية منذ أكثر من عقدين في 2023.
شنت أوكرانيا منذ صيف 2025 هجمات بالطائرات المسيرة على مصافي النفط الروسية، متسببة في توقف 17% من طاقة التكرير. عالميًا، انخفضت صادرات المنتجات النفطية المكررة بنحو 500 ألف برميل يوميًا، فيما وصلت صادرات البنزين إلى الصفر بعد حظر تصديره لتفادي اضطرابات داخلية.
فشلت موسكو في إنقاذ صادرات الغاز عبر خط “قوة سيبيريا 2” إلى الصين ومركز إعادة التصدير في تركيا، بعد فرض الصين أسعارًا منخفضة جدًا وتعطّل المشروع التركي بسبب شروط صارمة للتحكم في العمليات والأسعار، بالإضافة إلى رفض الاتحاد الأوروبي للمبادرة.
استحوذت الولايات المتحدة على دور المورد الرئيسي للغاز المسال، بينما هيمنت النرويج على 60% من واردات ألمانيا عبر الأنابيب.
وعززت قطر موقعها كشريك استراتيجي، فيما برزت أذربيجان عبر “الممر الجنوبي للغاز” بهدف مضاعفة صادراتها إلى 20 مليار متر مكعب بحلول 2027، معيدة رسم خارطة أمن الطاقة بعيدًا عن موسكو.
تنتظر موسكو الضربة القاضية في يناير 2026، مع تطبيق حظر الاتحاد الأوروبي على المنتجات النفطية المكررة من دول ثالثة، ما سيغلق آخر الثغرات التي كانت تسمح ببيع النفط الروسي عبر الهند وتركيا، لتفقد روسيا آخر قنواتها المربحة للوصول إلى الأسواق الغربية.




