عصر التقاعد المتغير: هل سيصبح العمل اختيارًا في المستقبل القريب؟

قبل أيام، صرح إيلون ماسك بجملة قصيرة لكنها مثيرة: “في أقل من 10 إلى 20 سنة، قد يصبح العمل اختياريًا”. هذه الرؤية ليست مجرد تكهنات؛ فهي تصوّر عالمًا قد تُعاد فيه صياغة العلاقة بين الإنسان والوظيفة والدخل والزمن.
تحول العمل من ضرورة للبقاء إلى خيار اختياري ليس فكرة بعيدة عن الواقع، فالتطورات التكنولوجية المستمرة، والأتمتة، والذكاء الاصطناعي، قد تقلل بشكل كبير من الحاجة للعمالة البشرية في السنوات المقبلة. وتشير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن نحو 27% من الوظائف الحالية معرضة لمستوى عالٍ من الأتمتة خلال العقدين القادمين، ما قد يغير من طبيعة سوق العمل بشكل جذري.
إذا تحققت رؤية ماسك، فالنظام التقليدي للتقاعد سيكون أول المتأثرين. إذ يعتمد هذا النظام على أن يعمل كل جيل لتمويل معاشات الجيل السابق، نموذج كان صالحًا في منتصف القرن الماضي عندما كان عدد الشباب أكبر ومتوسط الأعمار أقل.
اليوم، مع ارتفاع أعمار الناس وتراجع معدلات المواليد، تقلصت قاعدة الممولين وتوسعت قاعدة المستفيدين، ما يضع أنظمة التقاعد التقليدية تحت ضغط هائل.
الدول التي لديها أفضل أنظمة تقاعد، وفقًا لمؤشر “ميرسر للمعاشات التقاعدية” لعام 2024 (مقارنة بين 48 دولة):
الترتيب | الدولة | القيمة الإجمالية |
1 | هولندا | 84.8 |
2 | آيسلندا | 83.4 |
3 | الدنمارك | 81.6 |
4 | سنغافورة | 78.7 |
5 | فنلندا | 75.9 |
6 | النرويج | 75.2 |
العديد من الدول بدأت بالفعل رفع سن التقاعد لمواجهة الضغوط الديموغرافية. ففي الدنمارك، سيصل سن التقاعد تدريجيًا إلى 70 عامًا بحلول 2040، بينما رفعت التشيك وسلوفينيا السن القانوني من 65 إلى 67 عامًا.
منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تتوقع أن يصل متوسط سن التقاعد في دول المنظمة إلى نحو 66.4 عامًا للذكور و65.9 عامًا للإناث.
رفع السن يوفر للحكومات مهلة للتكيف ويخفف العبء المالي على صناديق المعاشات، ويشجع الأفراد على البقاء في سوق العمل لفترات أطول، ما يدعم الاقتصاد ويحافظ على المهارات.
لكن رفع سن التقاعد يحمل مخاطر اجتماعية وصحية كبيرة، خصوصًا للفئات العاملة في المهن الشاقة أو غير المستقرة، أو العاملين في الاقتصاد غير الرسمي الذي يشمل نحو 58% من القوى العاملة عالميًا. بالنسبة لهؤلاء، التأجيل يعني الاستمرار في العمل في ظروف صعبة بدون شبكة أمان كافية، ما يهدد العدالة بين الأجيال والشرائح الاجتماعية.
المستفيدون الرئيسيون من رفع سن التقاعد هم ذوو المهارات العالية، والصحة الجيدة، والتاريخ الوظيفي المستقر، حيث يمكنهم العمل سنوات إضافية لزيادة مدخراتهم أو معاشاتهم. الشركات أيضًا تستفيد بالحفاظ على موظفين ذوي خبرة، ما يقلل من تكاليف التدريب والاستبدال.
أكبر صناديق التقاعد بحسب دراسة موقع ثينكينج أهيد إنستيتيوت:
الترتيب | الدولة | حجم الصندوق (تريليون دولار أمريكي) |
1 | الولايات المتحدة | 11.7 |
2 | اليابان | 2.1 |
3 | كندا | 1.8 |
4 | هولندا | 1.1 |
5 | أستراليا | 1.1 |
في المقابل، الفئات الضعيفة، مثل العاملين في المهن اليدوية، وذوي الدخل المنخفض، وأصحاب المشاكل الصحية المزمنة، قد يواجهون عبئًا مضاعفًا، إذ أن استمرارهم في العمل قد يكون مستحيلًا جسديًا أو محفوفًا بالمخاطر الاقتصادية والصحية.
تقارير منظمة التعاون الاقتصادي لعام 2025 تشير إلى أن أكثر من 40% من العاملين في الوظائف الميدانية يخشون عدم القدرة على العمل حتى سن التقاعد الجديد بسبب الإرهاق الجسدي والمشاكل الصحية.
تجارب دول مثل ألمانيا والمملكة المتحدة تظهر التوتر الاجتماعي المصاحب لرفع سن التقاعد، ما يبرز الحاجة إلى سياسات مرنة تشمل:
توسعة التغطية الاجتماعية لتشمل العاملين غير الرسميين.
برامج صحية ومهنية للوظائف المجهدة.
آليات معاشات جزئية للتقاعد التدريجي.
سياسات سوق عمل تشجع التوظيف المستدام لكبار السن.
إذًا، التقاعد لم يعد محطة ثابتة، والعمل قد يصبح اختيارًا، ما يفرض إعادة تعريف العلاقة بين العمر، والعمل، والدخل، لتصبح مسارات متعددة بدلًا من نظام جامد تقليدي.
المستقبل القريب يعد بتحولات كبيرة في مفهوم العمل والحياة بعد الأربعين والخمسين، ما يتطلب استعدادًا اجتماعيًا واقتصاديًا متوازنًا لتجنب أزمات مالية وصحية واجتماعية.




