أزمة ثقة لا نقص تمويل: خبيرة تكشف سبب تعثر تدفق الأموال إلى الاقتصاد المغربي

في تحليل دقيق لمشهد الاستثمار المغربي، ألقت فاطمة الزهراء بوزوبع، المديرة التنفيذية للاستثمار وتطوير التجارب في شركة Valoris Capital، الضوء على ما وصفته بـ “المفارقة الاقتصادية اللافتة” التي تعيق تدفق رؤوس الأموال نحو المشاريع الإنتاجية.
ففي الوقت الذي تشهد فيه البلاد وفرة غير مسبوقة في السيولة المالية، تظل هذه الأموال حبيسة الأبناك والمؤسسات المالية، دون أن تتحول إلى استثمارات تخلق القيمة وفرص الشغل.
وأكدت بوزوبع، في منشور لها عبر منصة “لينكدن”، أن الإشكال الجوهري لا يكمن في نقص التمويل، بل في أزمة ثقة عميقة تخترق مناخ الاستثمار برمته.
فالبنوك تتمتع باحتياطات قوية، والمؤسسات الاستثمارية تبحث عن عوائد مستقرة، بل وحتى المدخرات الخاصة بدأت تعود للقطاع الرسمي بعد العفو المالي، ما يشير إلى توفر الأساس المادي. ومع ذلك، لا ينعكس هذا الفائض المالي على تمويل المشاريع الإنتاجية بالقدر الكافي، ليظل جزء كبير من السيولة خارج الدورة الاقتصادية الفعلية.
شددت الخبيرة المالية على أن الممولين يبحثون عن “مشاريع واقعية ومخططات دقيقة، لا عن مجرد نوايا أو تصورات نظرية غير قابلة للتنفيذ العملي”. وأوضحت أن ثلاث حلقات أساسية لا تزال تعرقل مسار التمويل في المغرب:
هشاشة دراسات الجدوى: غالباً ما تكون الدراسات نظرية مفرطة، وتصاغ بلغة تعكس النوايا أكثر مما تقدم خططاً تشغيلية واضحة وقابلة للقياس والتنفيذ.
غموض المساطر الإدارية: تظل الآجال الإدارية غير واضحة، مما يصعّب إدماجها بدقة في الجدولة الزمنية لأي مشروع استثماري، ويهز ثقة المستثمر في الإطار الزمني للتنفيذ.
تآكل الثقة بين الأطراف: هناك هشاشة في الثقة المتبادلة بين رواد الأعمال والمستثمرين والمؤسسات. فكل طرف يسعى لحماية نفسه من المخاطر بدل بناء علاقة تعاون قائمة على الانسجام والمسؤولية المشتركة، ما يجعل رأس المال يدور في فلك مغلق.
خلاصة بوزوبع: “رأس المال موجود ومتوفر بكثرة، لكن ما ينقص فعلاً هو الإطار الذي يمنح الأمان والرغبة في الالتزام والاستثمار بثقة واستدامة.”
لتجاوز هذا الواقع، ترى بوزوبع أن الأمر يتطلب إصلاحاً هيكلياً يرتكز على ثلاث ركائز أساسية: قواعد واضحة وشفافة، مساطر موثوقة قابلة للتطبيق، واستمرارية في التنفيذ على المدى الطويل لضمان ثبات الثقة في المنظومة.
وخلصت إلى أن تمويل النمو الاقتصادي لن يتحقق إلا عبر توفير بيئة مؤسساتية محفزة، قادرة على طمأنة المستثمرين ودعم المقاولات الناشئة والمتوسطة.




