استئناف الرحلات بين الهند والصين بعد خمس سنوات من القطيعة يعكس تحسنًا تدريجيًا في العلاقات

بعد خمس سنوات من التوقف، عادت الرحلات الجوية المباشرة بين الهند والصين إلى العمل اعتبارًا من الأحد، في خطوة تحمل أبعادًا اقتصادية ورمزية، إذ تمثل مؤشرًا على تحسن تدريجي في العلاقات بين أكبر دولتين سكانًا في العالم، بعد سنوات من التوتر الحاد.
وأعلنت الحكومة الهندية أن هذه الخطوة ستسهم في “تعزيز التواصل بين الشعبين” و”إعادة تطبيع العلاقات الثنائية تدريجيًا”، مشيرة إلى أن استئناف الرحلات يشكل عنصرًا مهمًا في دفع التجارة والسياحة بين البلدين.
العلاقات بين نيودلهي وبكين كانت قد شهدت توترًا حادًا منذ المواجهات الدامية التي وقعت على الحدود الجبلية في الهملايا عام 2020، والتي أودت بحياة 20 جنديًا هنديًا وأربعة صينيين، ما أدى إلى تجميد التعاون في عدد من المجالات الاقتصادية والتجارية.
وردّت الهند حينها بفرض قيود على الاستثمارات الصينية وحظر عشرات التطبيقات الإلكترونية، أبرزها “تيك توك”.
لكن الأشهر الأخيرة شهدت إشارات إيجابية، إذ التقى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بالرئيس الصيني شي جين بينغ على هامش قمة في روسيا العام الماضي، في أول تواصل مباشر بين الزعيمين منذ الأزمة الحدودية.
وقالت وزارة التجارة الهندية إن الواردات من الصين بلغت أكثر من 11 مليار دولار في سبتمبر الماضي، بزيادة 16% عن العام السابق، بينما ارتفعت الصادرات الهندية إلى الصين بنسبة 34% لتصل إلى 1.47 مليار دولار، ما يعكس انتعاشًا تدريجيًا في العلاقات التجارية بين البلدين.
وشغّلت شركة “إنديغو” الهندية أول رحلة مباشرة إلى البر الرئيسي الصيني من مدينة كالكوتا إلى غوانجو، على أن تُستأنف رحلات إضافية من نيودلهي إلى شنغهاي وغوانجو في نوفمبر المقبل.
وقال رئيس غرفة التجارة في كالكوتا، راجيف سينغ، إن “الربط الجوي المباشر سيُقلص أوقات النقل والتكاليف اللوجستية، ما سيعود بالفائدة على رجال الأعمال والقطاع الصناعي”.
وتاريخيًا، كانت كالكوتا مركزًا للتبادل التجاري والثقافي مع الصين منذ الحقبة الاستعمارية البريطانية، حين استقر فيها العديد من التجار الصينيين. واليوم، تأمل المدينة أن تستعيد مكانتها كجسر اقتصادي بين البلدين.
التحسن في العلاقات يأتي في وقت تواجه فيه نيودلهي خلافات متصاعدة مع واشنطن، شريكتها الاقتصادية الأبرز، بعد أن فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسومًا جمركية بنسبة 50% على عدد من السلع الهندية، وسط اتهامات من إدارته للهند بدعم موسكو عبر شراء النفط الروسي بأسعار مخفضة.
وعلى الرغم من استمرار التنافس الجيوسياسي بين الصين والهند على النفوذ في آسيا، فإن مؤشرات الانفراج تتزايد. فقد تبادل الجنود على الحدود هذا الشهر الهدايا والحلويات بمناسبة مهرجان “ديوالي” في بادرة وصفتها السفارة الصينية في نيودلهي بأنها “رمز لحسن النية واستعادة الثقة المتبادلة”.
ويرى مراقبون أن استئناف الرحلات الجوية ليس مجرد قرار اقتصادي، بل خطوة سياسية مدروسة تشير إلى رغبة الجانبين في تجاوز إرث الخلافات تدريجيًا، وفتح صفحة جديدة من التعاون في آسيا التي تشهد تحولات متسارعة في موازين القوى.




