جيم براير: رائد الاستثمارات الجريئة يعود برهان جديد على الذكاء الاصطناعي والطب

قبل عشرين عامًا، لم يكن أحد يتوقع أن الشركة الناشئة التي راهن عليها المستثمر المغامر جيم براير، وتُدعى فيسبوك، ستتحول إلى عملاق يغير شكل الإنترنت والعالم.
ذلك الرهان حوّله إلى ملياردير مع حلول عام 2011. اليوم، وبعد أن قلبت مأساة عائلية حياته رأسًا على عقب، يعود براير (64 عامًا) إلى الواجهة برهان جديد يجمع بين الذكاء الاصطناعي ومستقبل الرعاية الصحية، مؤمنًا بأن الاستثمار الحقيقي يبدأ دائمًا من الإيمان بالإنسان.
في أغسطس الماضي، وبينما كان براير يستمتع بإجازته في مجمعه الفاخر في “بيبل بيتش” بكاليفورنيا، سيطر خبر إدراج شركة سيركل إنترنت غروب (Circle Internet Group)، مطوّرة العملة المشفرة المستقرة يو إس دي سي (USDC.)، على أحاديث الجميع.
قفزت القيمة السوقية للشركة فورًا إلى 55 مليار دولار، مما ضاعف ثروة براير لتصل إلى نحو 5.7 مليارات دولار، كونه أصبح ثاني أكبر مساهم فردي بعد المؤسس جيريمي ألاير. ورغم تراجع الأسهم لاحقًا بنسبة 50%، لا تزال “سيركل” تتمتع برسملة ضخمة تبلغ 33 مليار دولار.

براير، الذي باع جزءًا من حصته مقابل 100 مليون دولار، احتفظ بنسبة 8% تُقدر قيمتها حاليًا بـ 1.7 مليار دولار، ليعود بقوة إلى قائمة فوربس 400 لأغنى الأمريكيين.
كان استثمار براير في “سيركل” قد بدأ مبكرًا في عام 2013، في وقت كان فيه مفهوم “العملة المستقرة” غير مألوف.
الصفقة، التي تمت باتفاق شفهي بعد لقاء عابر في هارفارد يارد، أتاحت له شراء السهم بـ 27 سنتًا فقط. يقول براير عن تلك الخطوة: “كنت مؤمنًا بأن البنية التحتية للكريبتو ستفتح فرصًا مذهلة”.
تُعدّ صفقة “سيركل” دليلاً جديدًا على بصيرته الاستثمارية. براير، الذي تصدّر قائمة فوربس ميداس لأفضل المستثمرين لثلاث سنوات متتالية (2011-2013)، حقق ما لا يقل عن أربعة استثمارات بعائد تجاوز 100 ضعف، بما في ذلك فيسبوك، وشركتا “فاوندري نيتوركس” و “ريدباك نيتوركس” خلال فترة ازدهار الإنترنت.
كما جنى مكاسب كبيرة من شركات متنوعة مثل سبوتيفاي، مارفل، إتسي، ليجندري بيكتشرز، وحتى من بيعه حصته في فريق بوسطن سيلتكس لكرة السلة.
المثير للدهشة أن سر نجاح براير لا يكمن في المنتج بقدر ما يكمن في الأشخاص. فهو يمتلك “قدرة فريدة على قراءة العقول واكتشاف الموهبة”، سواء كان الأمر يتعلق بمارك زوكربيرغ، أو مؤسس في الجيش الإسرائيلي، أو فنان طموح. جون غراي، رئيس بلاكستون، يصفه بأنه يمتلك “انفتاحًا وفضولًا غير عاديين، وهي صفات نادرة بين المستثمرين”.
ولد براير في الولايات المتحدة لعائلة مجرية لاجئة، وبدأ مسيرته في شركة أكسل بارتنرز (Accel Partners) عام 1987. وكانت نقطة التحول في 2005 عندما استثمر شخصيًا 1.1 مليون دولار في فيسبوك إلى جانب 11.7 مليون دولار من “أكسل”، ليتحول بعدها إلى ملياردير.
في عام 2014، غادر براير “أكسل” بعد ثلاثة عقود ليؤسس شركته الخاصة براير كابيتال (Breyer Capital)، مركّزًا على استثمار أمواله الشخصية. وفي عام 2020، انتقل إلى أوستن وضَمّ ابنيه، دانيال وتيد، كشريكين، محوّلاً الشركة إلى مكتب عائلي فعّال.
حمل العام 2024 فصلاً مؤلماً في حياة براير، إذ توفيت زوجته، أنجيلا تشاو، في حادث مأساوي. ورغم صمته العلني حول الحادث، أكد براير أن عائلته كانت مصدر دعمه الوحيد. اليوم، يكرس براير وقته لتربية ابنه الصغير البالغ من العمر خمس سنوات، قائلاً: “أعيش لأجله، وأحاول أن أكون أفضل أب ممكن”.
بعد عام على المأساة، وجد براير نفسه يعود إلى الحلم، ولكن هذه المرة في مجال الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، باحثاً عن “التقنيات التي يمكن أن تُحدث تحولات عميقة في الطب والحياة”.
استعان براير بشريك شاب، مورغان تشيثام، لقيادة هذا الاتجاه. وأحد أنجح استثماراتهم الحالية هو شركة أوبن إيفيدينس (OpenEvidence)، وهو تطبيق مجاني شبيه بـ “ChatGPT” ولكنه مُصمم خصيصًا للأطباء لمراجعة أحدث الأبحاث الطبية. تخدم الشركة اليوم 40% من أطباء الولايات المتحدة، وقد وصلت قيمتها في آخر جولة تمويل إلى 3.5 مليارات دولار.
يقول دانيال نادلر، المؤسس المشارك للشركة، عن براير: “هو مستثمر مختلف، يهتم بالإنسان قبل المشروع. يسألني عن الدافع الشخصي، عن ‘الشرارة’ التي تجعلني أواصل المنافسة”.
قد تكون هذه القدرة على الجمع بين الذكاء المالي والدفء الإنساني هي السر الحقيقي وراء نجاح جيم براير. من فيسبوك إلى العملات المستقرة، ومن المآسي الشخصية إلى طموحات الذكاء الاصطناعي، يواصل براير رحلته، مؤمنًا بأن أعظم الاستثمارات تبدأ دائمًا من الإيمان بالإنسان أولًا.




