الاقتصادية

فنزويلا على فوهة بركان: كيف حوّلت عقود النفط والسياسة العداء مع واشنطن إلى تعبئة عامة؟

تجد فنزويلا نفسها اليوم على حافة المواجهة، مدفوعة بتاريخ طويل من السياسات النفطية التي صدّرت العداء للولايات المتحدة، والآن تفاقم هذا الوضع مع تصعيد العقوبات والتهديدات العسكرية الأخيرة من واشنطن.

هذا التوتر لا يقتصر على الصراع السياسي والاقتصادي، بل يترجم إلى تعبئة عسكرية شاملة، حيث تستعد الآلاف من الميليشيات المحلية للدفاع عن البلاد ضد أي هجوم أمريكي محتمل.

تمتلك فنزويلا أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم، يقدر بنحو 303 مليارات برميل، أي ما يعادل 17% من الاحتياطيات العالمية.

ومع ذلك، لم يترجم هذا الغنى إلى قوة اقتصادية، بل تحوّل إلى نقطة ضعف.

  • سياسات تشافيز وما بعده: أرسى الرئيس الراحل هوغو تشافيز (الذي أسس الميليشيا البوليفارية الوطنية عام 2009) مبدأ السيطرة التامة على عائدات الطاقة عبر تأميم القطاعات، وتوجيه الأرباح نحو برامج اجتماعية وتحالفات إقليمية مناهضة للنفوذ الأمريكي. هذه السياسة جعلت من النفط أداة ضغط سياسي قبل أن يكون شريانًا اقتصاديًا.
  • عقوبات وتدهور اقتصادي: واصل الرئيس الحالي نيكولاس مادورو نفس السياسات.
  • ردّت واشنطن بفرض عقوبات مالية واسعة استهدفت أفرادًا وكيانات وقطاعات، ما قيّد وصول كاراكاس إلى الأسواق ورؤوس الأموال والتكنولوجيا. وكانت المحصلة انكماشًا كارثيًا في الناتج المحلي بنحو 75% بين عامي 2014 و2021.

في سياق متصل، شكّل الموقف الأمريكي المتصلب محركًا أساسيًا للأزمة. ففي يناير 2019، اعترفت إدارة “ترامب” الأولى بزعيم المعارضة خوان غوايدو رئيسًا مؤقتًا لفنزويلا، في خطوة سياسية رمزية عمّقت عزلة كاراكاس دوليًا.

وتصاعد التوتر مجددًا بعد انتخابات يوليو 2024، حيث لم تعترف الولايات المتحدة بإعادة انتخاب مادورو، مشيرة إلى أدلة تفيد فوز منافسه، إدموندو غونزاليس.

وقد ضاعف “ترامب” مؤخرًا المكافأة المقدمة لمن يدلي بمعلومات تؤدي للقبض على مادورو إلى 50 مليون دولار، متهمًا إياه بالتواطؤ مع عصابات المخدرات.

التهديدات الأمريكية لم تعد مجرد كلام؛ فقد أعلن “ترامب” أن العصابة الإجرامية الفنزويلية “ترين دي أراغوا” جماعة إرهابية، مبررًا بذلك ترحيل المهاجرين الفنزويليين والعمليات العسكرية الأخيرة في منطقة البحر الكاريبي، التي أدت إلى مقتل 17 فنزويليًا على متن قوارب منذ بداية سبتمبر تحت مزاعم الاتجار بالمخدرات.

ردًا على هذا التصعيد، أعلن مادورو حالة التعبئة العامة للقوات المسلحة، وأمر بتدريب ميليشيات محلية من المتطوعين، مستذكراً مواطناً مثل إديث بيراليس، 68 عامًا، الذي انضم للميليشيا منذ عام 2009.

ظهور فنزويلا الحديثة وأبرز أحداث عصر “تشافيز” (1999-2013)

السنة

الحدث الرئيسي

التفاصيل والأثر

1958

بداية الديمقراطية الحديثة

انتخاب “رومولو بيتانكور” رئيسًا، وبداية مرحلة ديمقراطية أعادت الانتقال السلمي للسلطة بين المدنيين.

1989

احتجاجات الكراكازو

اندلاع اضطرابات عنيفة بسبب رفع أسعار الوقود، قُتل فيها مئات (تقديرات رسمية 275، إعلامية تتجاوز 3000).

1992

محاولتا انقلاب عسكري بقيادة “تشافيز”

الأولى في فبراير بقيادة “تشافيز” وانتهت بالفشل وسجنه، والثانية في نوفمبر من أنصاره؛ تحوّل بعدها لرمز جماهيري.

1998

فوز “هوجو تشافيز” برئاسة الجمهورية

أحرز 56% من الأصوات، واعدًا بمحاربة الفساد وتجديد النظام السياسي؛ أعلى نسبة فوز منذ أربعة عقود.

1999

إصلاحات وبرامج اجتماعية ودستور جديد

أطلق خطة “بوليفار 2000” لمحاربة الفقر، واستحدث دستورًا زاد من سلطات الرئيس وأطال مدة الرئاسة.

2002

محاولة انقلاب وأزمة في إدارة النفط

انقلاب عسكري أطاح بـ”تشافيز” يومين ثم عاد لمنصبه بدعم شعبي وعسكري؛ ثم أقال إدارة شركة النفط الوطنية بعد إضراب طويل.

2003

إطلاق البعثات البوليفارية

بداية برامج واسعة لمحو الأمية وتقديم الرعاية الصحية والإسكان للفقراء، مع تحسن في بعض المؤشرات المعيشية.

2004

استفتاء سحب الثقة من “تشافيز”

شارك 70% من الناخبين، وفاز “تشافيز” بنسبة 59%؛ أثيرت لاحقًا اتهامات بإقصاء المعارضين.

2006

إعادة انتخاب “تشافيز” وتعزيز حكم التيار الواحد

إعادة انتخابه بنسبة 63% وتأسيس الحزب الاشتراكي الموحد، بما عزز السيطرة شبه الكاملة على النظام السياسي.

2007

تأميم قطاعات حيوية واقتراح تعديل دستوري

الحكومة أتمّت تأميم قطاعات النفط والكهرباء والاتصالات والبنك المركزي؛ طُرح تعديـل دستـوري لإلغاء حدود الرئاسة لكنه رُفض بنسبة 51% ضده.

2008-2009

أزمة دبلوماسية وتعديل دستوري جديد

طرد سفير الولايات المتحدة من فنزويلا وسط توتر إقليمي، ثم أُجري استفتاء شعبي في 2009 أُقر فيه إلغاء الحد الأقصى لفترات الرئاسة بعد تصويت 54% لصالح التعديل.

2010

صعود المعارضة في البرلمان رغم استمرار سيطرة السلطة

المعارضة تكسب 40% من المقاعد، لكن إعادة ترسيم الدوائر ومنح الرئيس سلطات استثنائية ضمن استمرار هيمنة “الحزب الاشتراكي”.

2011-2012

مرض “تشافيز” وانتخابات وسط الغموض

مرض بالسرطان وخضع لجراحات عديدة، ثم فاز في انتخابات 2012 على “كابريليس” بـ54% من الأصوات ومشاركة تاريخية للناخبين بلغت 81%.

2013

وفاة “تشافيز” وتولي “مادورو” الحكم

توفي “تشافيز” وأوصى بأن يخلفه “مادورو”، الذي فاز في الانتخابات بفارق ضئيل بلغ 50.6% مقابل 49.1% لمنافسه.

أمام الأمم المتحدة، اتهم وزير الخارجية الفنزويلي، إيفان خيل بينتو، إدارة “ترامب” بمحاولة شن حرب على فنزويلا “لنهب ثروتها الهائلة من النفط والغاز”، واصفًا التهديد الأمريكي بـ “العسكري غير القانوني وغير الأخلاقي”.

وفي تطورات متضاربة، تشير تقارير إلى أن مسؤولي وزارة الحرب الأمريكية يخططون لشن هجوم على تجار مخدرات مزعومين داخل فنزويلا.

وفي الوقت ذاته، تجري محادثات تفاوضية بين واشنطن وكاراكاس عبر وساطة قادة من الشرق الأوسط، حيث يتفاوض مادورو بشأن التنازلات التي سيقدمها للحفاظ على منصبه.

هذه اللوحة المتشابكة ترسم مستقبلًا ضبابيًا، حيث تتشابك مصالح النفط الفنزويلي مع سياسات واشنطن، ويدفع الشعب الفنزويلي الثمن الأكبر في ظل احتمالية التصعيد العسكري.

أهم المحطات الاقتصادية والسياسية في تطور فنزويلا كدولة نفطية

السنة

الحدث الرئيسي

التفاصيل والأثر

1922

اكتشاف النفط في حقل “لا روزا”

بداية عصر النفط في فنزويلا بمعدل ضخ قياسي (100 ألف برميل يوميًا)، ما أحدث نقلة في الاقتصاد الوطني.

1929

طفرة الإنتاج والريادة عالمياً

الإنتاج السنوي وصل 137 مليون برميل؛ تفوقت على معظم الاقتصادات باستثناء أمريكا.

1935

نهاية عهد “خوان فيسنتي جوميز” وتزايد الاعتماد على النفط

أصبح النفط يمثل أكثر من 90% من صادرات البلاد؛ والإصابة بما يُسمى “الداء الهولندي.

1943

قانون الهيدروكربونات

إلزام الشركات الأجنبية بإعطاء نصف الأرباح للحكومة؛ دخل الدولة تضاعف ست مرات.

1958

اتفاق “بونتو فيخو” وبداية الديمقراطية

تقاسم الأحزاب الكبرى المناصب والعوائد النفطية، ليصبح النفط أداة لضمان الاستقرار السياسي وترسيخ الديمقراطية الحديثة.

1960

تأسيس “أوبك” والشركة الوطنية

أصبحت دولة مؤسسة في “أوبك” ورفعت ضرائب الشركات النفطية إلى 65%؛ أنشأت أول شركة وطنية.

1973

طفرة الأسعار وأزمة الحوكمة

قفزت الأسعار إثر أزمة الشرق الأوسط وأصبحت فنزويلا الأعلى دخلًا للفرد في أمريكا اللاتينية، لكن صاحَب ذلك موجة فساد وهدر مالي على نطاق واسع.

1976

تأميم القطاع النفطي

الدولة تسيطر على صناعة النفط مباشرة، وتحتفظ بـ60% من الأسهم في المشاريع المشتركة، مما عزز قبضتها الاقتصادية.

الثمانينيات

أزمة هبوط الأسعار وتداعياتها

انخفاض الأسعار العالمية دفع الحكومة لشراء مصافي بالخارج؛ تضخم، تقشف وأزمات مالية واسعة.

1989

إجراءات تقشفية واحتجاجات “الكراكازو”

إجراءات خبراء صندوق النقد أثارت اضطرابات واسعة واحتجاجات دموية.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى