الجريمة الرقمية بلا حدود…كيف غيرت ‘سيرينجيتي 2025’ قواعد اللعبة
بينما يتناقش الاقتصاديون حول تراجع العولمة، تواصل شبكات الجريمة الإلكترونية توسعها العالمي، متجاهلة الحدود الجغرافية.
هذه العصابات العابرة للقارات، التي تتطور أدواتها بسرعة، كانت دائمًا تحديًا هائلاً لأجهزة إنفاذ القانون الوطنية. ولكن، يبدو أن قواعد اللعبة قد تغيرت.
في غشت 2025، وجّهت عملية “سيرينجيتي 2025” ضربة موجعة لهذه الشبكات، لتثبت أن التعاون الدولي هو السلاح الأمضى. في قلب أنغولا، نجحت السلطات، بالتنسيق مع الإنتربول والأفريبول، في تفكيك 25 مركزًا لتعدين العملات المشفرة.
هذه المراكز، التي كانت تعمل كخلايا إجرامية تديرها عصابات آسيوية، كانت تضم ما لا يقل عن 60 مواطنًا صينيًا.
لم يقتصر الأمر على إلقاء القبض على المجرمين، بل شمل أيضًا مصادرة 45 محطة طاقة غير قانونية بقيمة تزيد على 37 مليون دولار.
وبدلاً من أن تُستخدم هذه الطاقة في تغذية الآلة الإجرامية، ستُعاد توجيهها الآن لدعم شبكة الكهرباء في المناطق الأشد احتياجًا في أنغولا.
كانت هذه العملية شاملة حقًا، حيث امتدت آثارها عبر القارات. ففي كوت ديفوار، أُلقي القبض على مجرمين انطلقوا في أنشطتهم من ألمانيا، بينما في زامبيا، جرى تفكيك شبكة احتيال ضخمة بالعملات المشفرة، استولت على 300 مليون دولار من أكثر من 65 ألف ضحية.
تكمن عبقرية عملية “سيرينجيتي” في أنها ليست مجرد نجاح أمني، بل هي نموذج جديد لمكافحة الجريمة الرقمية مبني على الشراكة الاستراتيجية بين القطاعين العام والخاص.
أدرك العالم أن الشرطة وحدها لا يمكنها الانتصار في هذه الحرب، فالمجرمون يستخدمون بنى تحتية ومنصات مملوكة لشركات خاصة.
في هذا الإطار، لعب الإنتربول دور الوسيط المحوري، حيث أتاح منصة لتبادل الخبرات والمعلومات بين أجهزة إنفاذ القانون وشركات مثل فورتينت ومايكروسوفت.
هذه الشراكة الاستخباراتية أتاحت لأجهزة الأمن شن ضربات دقيقة وفعّالة، مستندة إلى معلومات فنية دقيقة من خبراء القطاع الخاص.
يؤكد خبراء من هذه الشركات على أهمية هذا التعاون. فكما يقول ستيفن ماسادا من مايكروسوفت، “سيرينجيتي 2025 مثال رائع على كيفية تحقيق نتائج ملموسة من خلال الشراكات متعددة القطاعات”.
نجاح عملية “سيرينجيتي 2025” يثبت أننا دخلنا عصرًا جديدًا من التحالفات الجديدة التي تعمل معًا لتحقيق الأمن الجماعي. لم يعد الأمر مقتصرًا على مبادرة واحدة، بل يتسع ليشمل تحالفات أخرى مثل “تحالف الدفاع السيبراني” و”فرق عمل برامج الفدية”.
لقد أصبح لدينا الآن نموذج عمل ناجح ومُجرّب. لكن المعركة لم تنتهِ بعد؛ فالانتصار النهائي يتطلب زخمًا مستمرًا وتعاونًا لا يتوقف عبر الحدود والقطاعات. في هذه الحرب الرقمية، لا يمكن لأحد أن ينتصر بمفرده.
