الولايات المتحدة تتبنى نموذجًا شبه صيني في الرأسمالية..تدخل الحكومة في قلب القطاع الخاص

في تحول اقتصادي لافت، يبدو أن الولايات المتحدة، معقل الرأسمالية والسوق الحرة، بدأت تقترب تدريجيًا من نموذج الاقتصاد الصيني.
فقد تغيرت قواعد اللعبة منذ تولي الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، حيث لم يعد دور الحكومة يقتصر على التنظيم أو حماية الأسواق من الانهيار، بل امتد ليشمل التدخل المباشر في شركات كبرى.
عادة ما كان تدخل الحكومة الأمريكية في القطاع الخاص يقتصر على شراء الشركات المتعثرة ذات الأهمية الوطنية، كما حصل خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008 مع استحواذ واشنطن على “فريدي ماك”.
لكن إدارة “ترامب” اتخذت خطوات غير مسبوقة، أبرزها السعي للحصول على حصة ذهبية في شركة “يو إس ستيل” لضمان عدم سيطرة شركة يابانية على صناعة الصلب الأمريكية، بما يمنح واشنطن سلطة الاعتراض على قرارات الشركة التشغيلية والاستثمارية وحتى نقل المقر الرئيسي.
على صعيد صناعة الرقائق، تواجه شركة “إنتل” تراجعًا كبيرًا في حصتها السوقية أمام منافسين مثل “إنفيديا” و”تي إس إم سي” و”إيه إم دي”، نتيجة أخطاء استراتيجية وغياب المرونة في التوريد والتكنولوجيا.
ومع تصاعد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، تسعى الحكومة الأمريكية إلى شراء حصة في “إنتل” لدعم إنتاج الرقائق داخل الولايات المتحدة، خصوصًا في مجمع المصانع بولاية أوهايو، وفقًا لما نقلته وكالة “بلومبرج”.
تثير هذه التحركات مخاوف المحللين بشأن مستقبل الرأسمالية في الولايات المتحدة. فقد توسع دور الحكومة من مجرد تنظيم السوق إلى أن تصبح لاعبًا أساسيًا، مع ظهور سياسات تُشبه “رأسمالية الدولة”، حيث توجه الحكومة الشركات الكبرى بدلاً من تركها للسوق الحرة بشكل كامل.
هذا النموذج يختلف عن الاشتراكية التقليدية، لكنه يمثل ابتعادًا واضحًا عن فلسفة “اليد الخفية” لآدم سميث.
صحفيون ومحللون اعتبروا أن السياسات الاقتصادية لإدارة “ترامب” تقارب، من حيث الأسلوب، النظام الصيني في التحكم بالاقتصاد، مع مزيد من المساومة والمقايضة مع الشركات الكبرى.
ومن الأمثلة على ذلك الاتفاق الذي أبرمته “إنفيديا” و”إيه إم دي” لدفع نسبة من إيرادات مبيعات الرقائق إلى الحكومة الأمريكية مقابل الحصول على تراخيص التصدير، وكذلك الضغط على شركات مثل “آبل” لتوسيع استثماراتها داخل البلاد.
من “يو إس ستيل” إلى “إنتل”، يظهر أن الولايات المتحدة تتخلى تدريجيًا عن دور الحكم في السوق الحرة لتصبح لاعبًا محوريًا، ما يقرب الاقتصاد الأمريكي من نموذج الدولة المتدخلة بشكل غير مسبوق، ويطرح تساؤلات جدية حول مستقبل الرأسمالية الأمريكية في العقد القادم.