الاقتصادية

خداع السيارات المستعملة صفر كيلومتر يُخلط أوراق سوق السيارات الصينية ويهدد مصداقيتها

في إحدى ضواحي شنغهاي، كان “لي وين” يفرح بسيارته الجديدة التي اشتراها من معرض محلي، إلا أن فرحته سرعان ما تحولت إلى صدمة عندما علم أن السيارة مؤمّنة باسم شخص آخر، ما يجعلها في سجلات التأمين “مستعملة” رغم كونها جديدة تمامًا.

هذه ليست حالة فردية، بل تعكس ظاهرة متفشية تُعرف بـ”السيارات المستعملة صفر كيلومتر”، حيث تُسجّل السيارات الجديدة وتُؤمّن قبل أن تباع فعليًا، مما يسمح لشركات السيارات بتضخيم أرقام مبيعاتها وإظهار نمو وهمي.

تعود جذور هذه الممارسات إلى حرب أسعار شرسة اندلعت في 2023، وسط فائض المعروض وتراجع الطلب في السوق الصينية، ما دفع الشركات إلى الالتجاء إلى هذه الحيل لتلبية توقعات النمو التي تفرضها السلطات الصينية على القطاعات الاستراتيجية.

خلال الفترة من 2021 حتى 2025، تم توثيق 97 شكوى على منصات إلكترونية، أبلغ فيها المشترون عن تسجيل سياراتهم مؤمّنة مسبقًا قبل تسلمهم لها.

في أكثر من 14 حالة، أقرّ الوكلاء صراحة بأن هذه الخطوة كانت بهدف تحقيق أهداف المبيعات الشهرية.

مفاجأة أخرى أن بعض الحكومات المحلية لم تكتفِ بالعلم، بل شجعت على هذه الممارسة، إذ أظهرت مراجعات وثائق رسمية أن 20 منطقة بينها مقاطعات كبرى مثل “قوانغدونغ” و”سيتشوان” قد سهّلت إصدار تراخيص لهذه السيارات وتسرّعت في استرداد الضرائب، مما ساعد في ترويج تصنيفها كمستعملة.

تُصدّر غالبية هذه السيارات إلى روسيا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط، حيث يُقدّر أن 90% من أصل 436 ألف سيارة صُنفت كمستعملة وصُدّرت من الصين في 2024 كانت في الحقيقة جديدة، وتم تصنيفها لتجاوز القيود التنظيمية وتسهيل عمليات الشحن.

بينما نفت بعض الشركات مثل “زيكر” و”إكس بنج” تورطها في هذه الممارسات، التزمت أخرى الصمت، في حين نفت شركات كبرى مثل “بي واي دي”، “نيسان”، “جيلي”، و”جي إم” صراحة إصدار تعليمات بالتأمين المسبق، إلا أن وثائق وشكاوى كشفت عكس ذلك في حالات عديدة.

لجأ عدد من المستهلكين للقضاء، حيث حكمت المحاكم الصينية لصالح المشتكين في ثلاث قضايا، فيما لا تزال قضايا أخرى قيد التحقيق.

وعلى الصعيد الرسمي، دعت صحيفة الشعب في يونيو إلى حملة صارمة ضد هذه الممارسات، محذرة من تأثيرها السلبي على المنافسة وجودة المنتجات ومصداقية السوق، وطالبت بوضع آليات دقيقة لمراقبة دورة حياة السيارات.

يحذر خبراء الصناعة من أن هذه الممارسات تشوه صورة الصين كمصنع موثوق عالميًا، خاصة في ظل اتهامات تتصاعد بشأن إغراق الأسواق بسيارات غير موثوقة أو مزيفة، وسط بيئة تشجعها الحكومة.

رغم تسجيل الصين في 2024 أرقامًا قياسية بإنتاج 31.28 مليون سيارة ومبيعات 31.44 مليون وحدة بزيادة سنوية تجاوزت 3.7% و4.5% على التوالي، يبقى السؤال: كم من هذه البيانات تعكس طلبًا حقيقيًا وكم منها مجرد وهم محاسبي قائم على ممارسات مشبوهة؟

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى