اقتصاد المغربالأخبار

صيف الغلاء..كيف غيرت التحديات الاقتصادية طقوس العودة لمغاربة المهجر؟

لم يكن صيف 2025 كغيره من المواسم السابقة، فقد غابت عن موانئ ومطارات المغرب مشاهد الازدحام المعتادة، وأصبح حضور الجالية المغربية المقيمة بالخارج باهتًا مقارنة بالسنوات الماضية.

رغم الاستعدادات المكثفة والتسهيلات التي رافقت عملية “مرحبا”، لم يواكب الواقع التطلعات، في ظل معطيات جديدة أعادت رسم خريطة الأولويات لدى كثير من مغاربة المهجر.

هذا التراجع اللافت في أعداد العائدين لا يعكس فقط تبدلاً ظرفيًا، بل يُنذر بتحول أعمق في علاقة الجالية مع الوطن، مما يستدعي وقفة تأمل في السياسات القائمة والرهانات المستقبلية، في ظل تقلبات اقتصادية عالمية متسارعة.

تصدر ارتفاع أسعار التذاكر البحرية والجوية قائمة الأسباب التي دفعت الكثير من أفراد الجالية إلى تقليص مدة الزيارة أو الامتناع عنها كليًا.

فمع الارتفاع العالمي لأسعار المحروقات والتضخم الذي طال قطاع النقل، أصبحت العودة إلى المغرب، التي كانت تمثل طقسًا سنويًا، عبئًا ماليًا لا يستهان به.

الضغوط لم تتوقف عند تذاكر السفر، إذ سجلت الإقامة الصيفية في المغرب بدورها ارتفاعًا في تكاليف السكن، المطاعم، التنقل الداخلي، وحتى الأنشطة الترفيهية، مما زاد من إحجام الكثيرين عن قضاء عطلتهم في بلدهم الأم.

وأدى ذلك إلى محدودية الزيارات واقتصارها، لدى البعض، على المناسبات الطارئة أو الزيارات القصيرة.

في المقابل، تعيش نسبة كبيرة من الجالية المغربية في دول تعاني من أزمات اقتصادية متلاحقة، لا سيما في أوروبا وأمريكا الشمالية.

تراجع القدرة الشرائية، وارتفاع تكاليف المعيشة، والقلق المرتبط بالاستقرار الوظيفي، كلها عوامل ساهمت في إعادة ترتيب الأولويات لدى الأسر المغربية بالخارج، ما جعل فكرة السفر مكلفة وغير ضرورية بالنسبة للبعض.

رغم المجهودات التي بُذلت لتحسين ظروف العبور، إلا أن بعض المعابر، خاصة ميناءي طنجة المتوسط والناظور، ما زالت تعاني من ضغط كبير ونقاط ضعف لوجستية، من بينها الاكتظاظ وطول الانتظار، وهو ما انعكس سلبًا على تجربة المسافرين.

فبعضهم اختار العودة عبر دول أخرى أو تأجيل السفر لتفادي هذه الإكراهات.

انخفاض عدد الزائرين من مغاربة العالم لا يؤثر فقط على الاقتصاد الوطني، الذي يستفيد عادة من تحويلات مالية ومصاريف سياحية مهمة، بل يتعداه إلى البُعد الرمزي والاجتماعي الذي تمثله الجالية كجسر حيوي يعزز الروابط بين المغرب وأبنائه في الخارج.

الأمر يستدعي من السلطات مراجعة شاملة للسياسات المرتبطة بالجالية، سواء من حيث تخفيض تكاليف التنقل، أو تقديم دعم مباشر لتيسير العودة الصيفية، فضلاً عن الاستثمار في تحسين تجربة العبور وضمان جاذبية العطلة في المغرب مقارنة بوجهات أخرى أقل تكلفة.

الحفاظ على الرابط القوي بين مغاربة الخارج ووطنهم لا يجب أن يكون مجرد شعار موسمي، بل سياسة دائمة ومبنية على فهم دقيق لواقع الجالية وتحدياتها.

المطلوب هو الانتقال من منطق الاستقبال إلى منطق الشراكة والدعم، بما يضمن استمرار تدفق الحب والانتماء من المهجر نحو الوطن، ويحول كل صيف إلى فرصة لتعزيز الارتباط لا اختبارًا له.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى