الاقتصادية

كيف تؤثر الأصول المتعثرة على البنوك؟ وأفضل الطرق لتفادي مخاطرها

في ظل التوسع المستمر لعمليات التمويل والقروض، لا يُعد الحصول على القرض نقطة النهاية، بل بداية مسار يتطلب حذرًا وتخطيطًا دقيقًا من كلا الطرفين: المقترض والمقرض.

فبينما يسعى المقترض لتحقيق أهدافه المالية، تواجه المؤسسات المقرضة تحديات عدة في ضمان استرداد هذه الأموال، وأبرز هذه التحديات تتمثل في ظاهرة “الأصول المتعثرة”، التي أصبحت مصدر قلق كبير يهدد استقرار النظام المالي ويؤثر على قدرة البنوك على تمويل الاقتصاد.

تداعيات القروض المتعثرة: خسائر تطال الطرفين

أولًا: المقترض في عين   العاصفة

– يؤدي تعثّر السداد إلى إلحاق ضرر جسيم بالتصنيف الائتماني للمقترض، وهو مؤشر رقمي يعكس قدرته على الوفاء بالتزاماته المالية.
 

– وكلما انخفض هذا التصنيف، زادت صعوبة الحصول على تمويل جديد، سواء كان بطاقة ائتمان أو قرض سيارة أو حتى قرض شخصي.
 

– ليس ذلك فحسب، بل قد يترتب على التراجع الائتماني ارتفاع في معدلات الفائدة المستقبلية، ما يفاقم العبء المالي على المقترض.
 

ثانيًا: المقرضون… ومأزق القروض المتعثرة

– لا تقلّ المعاناة لدى الجهات المقرضة، حيث تؤدي القروض المتعثرة إلى تآكل الإيرادات وتراجع التدفقات النقدية.
 

– كما تُجبر المؤسسات المالية على تخصيص احتياطيات مالية لتعويض هذه الخسائر المحتملة، ما يضعف قدرتها على منح قروض جديدة ويؤثر سلبًا على ميزانياتها العمومية وربحيتها الإجمالية.
 

– وكلما زاد حجم القروض المتعثرة، زادت هشاشة النظام المصرفي.

 

تُعرف الأصول المتعثرة بأنها القروض أو الديون التي يتوقف فيها المقترض عن دفع أقساطها، سواء كانت فوائد أو جزءًا من المبلغ الأصلي، لفترة تزيد عادة عن 90 يومًا.

و عند وصول القرض لهذه الحالة، يُصنف كمتعثر، ما يدفع المؤسسات المالية لاتخاذ إجراءات قد تشمل الحجز على الضمانات أو حتى شطب الدين وبيعه لشركات تحصيل الديون.

كمثال عملي، إذا حصل شخص على قرض عقاري بقيمة 350,000 ريال مع قسط شهري 2,500 ريال، وتوقف عن السداد لمدة ثلاثة أشهر متتالية بسبب فقدانه لوظيفته، فإن البنك يصنف هذا القرض متعثرًا بعد مرور 90 يومًا.

وإذا لم يتم التوصل إلى تسوية، قد تلجأ المؤسسة إلى إجراءات الحجز وبيع العقار لتعويض الخسائر.

في المقابل، القروض غير المضمونة قد تدفع البنك إلى شطبها أو بيعها بأسعار مخفضة لشركات التحصيل، نظرًا لغياب الضمانات.

تعتمد البنوك والمؤسسات المالية على مجموعة من الاستراتيجيات للحد من مخاطر التعثر، تتراوح بين الخطط الوقائية مثل التقييم الدقيق للعملاء قبل الإقراض، وإجراءات تكتيكية كإعادة جدولة الديون أو تقديم حلول تمويلية مرنة.

في العديد من الحالات، يكون التعثر نتيجة ظروف قهرية كفقدان الوظيفة أو المرض المفاجئ، مما يستدعي تقديم دعم مالي مؤقت أو خطط تقسيط مرنة تساهم في تخفيف العبء عن المقترض.

استراتيجيات البنوك لمواجهة القروض المتعثرة

إعادة الهيكلة الوقائية

– تسعى بعض المؤسسات إلى تعديل شروط القرض لتسهيل سداد الدين، عبر خفض الفائدة أو تمديد فترة السداد.
 

– ورغم أن ذلك قد يجنّب تصنيف القرض كمتعثر، إلا أنه قد يؤثر لاحقًا على الملف الائتماني للمقترض.
 

مصادرة الضمانات وبيعها

– عندما تكون القروض مدعومة بأصول (مثل العقارات أو السيارات)، يمكن للمقرض استرداد هذه الضمانات وبيعها لتغطية الخسائر.
 

تحويل الديون إلى أسهم

– تلجأ بعض المؤسسات إلى تحويل القروض المتعثرة إلى حصص ملكية في الشركة المقترضة، وهو ما قد يُعوّض جزءًا من الخسارة إذا تحسّن أداء الشركة مستقبلًا.
 

بيع الديون المعدومة

– في حالات العجز الكامل، قد تبيع البنوك هذه القروض لشركات تحصيل مقابل جزء من قيمتها، للتقليل من الخسائر التي لحقت بها.

 

لكن حين تكون حالات التعثر ناتجة عن قروض متهورة أو سياسات إقراض غير سليمة، تصبح إدارة الأصول المتعثرة أكثر تعقيدًا، مما يفرض تعزيز أنظمة التقييم الائتماني والرقابة المصرفية لضمان استدامة التمويل.

التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي: أدوات حديثة في التصدي للأصول المتعثرة
مع تطور التكنولوجيا، بدأت المؤسسات المالية تستثمر في تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوك العملاء والتنبؤ باحتمالات التعثر، مما يتيح لها اتخاذ إجراءات استباقية للحفاظ على استقرار المحفظة الائتمانية.

تساعد هذه الأنظمة في تخصيص خطط تواصل وحلول إعادة هيكلة مخصصة لكل عميل، مما يزيد من فرص تحصيل الديون وتقليل خسائر المؤسسات المالية.

تبقى الأصول المتعثرة تذكيرًا بأهمية التعاون بين المقترض والمقرض. فالمقترض مطالب بتحمل المسؤولية المالية والانضباط في السداد، بينما يتوجب على المقرض تقديم تمويل مسؤول يستند إلى تقييم دقيق للملاءة المالية.

الوقاية من التعثر تبدأ ببناء ثقافة مالية صحيحة، تعزيز الشفافية، والتخطيط الدقيق للالتزامات، سواء على مستوى الأفراد أو الشركات أو المؤسسات المالية، لضمان استدامة التمويل وتقليل المخاطر.

بهذا، لا تقتصر مواجهة الأصول المتعثرة على كبح الخسائر فقط، بل تمثل فرصة لتحسين جودة التمويل وتعزيز استقرار الأسواق المالية عبر التعاون الذكي والتكنولوجي بين جميع الأطراف المعنية.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى